أغنية الجليد والنار مَلءَ بالأسماء الشاعرية فكل قلعة تقريباً تحمل من وراء اسمها معنى فبعض المسميات تصف مكان القلعة مثل "المستوقد الأخير" قلعة آل أمبر وهي اقرب القلاع للجدار وبعضها تصف ماهية لوردات القلعة وطبعاهم مثل "معقل الخوف" قلعة آل بولتن الذين اشتهروا بصلخ أعدائهم وهكذا باقي القلاع ، وحتى أسماء الكتب الرئيسية للرواية تحمل دلالات وإشارات وهذا أمر يلاحظه الجميع تقريباً . وعلى عادت جورج هذه أطلق على سلسلته الروائية اسمًا عامًا فسماها "أغنية الجليد والنار" فأطلق على قصته أسم "أغنية" ، ولا ينفك جورج أن يأكد ( على لسان شخصياته ) أن منطق هذه الأغنية ليس كمنطق الأغاني ، رغم أنهُ سماها أغنية لكن هذه المفارقة هي أسلوب من أساليب الكتابة يسمى "السخرية الرومانسية" إشارةً للحقبة التي اشتهر فيها ، فالحب في أغنية جورج لاينتصر دائمًا كما في الأغاني ، ولا نجد اعتبارات الحب تتفوق على اعتبارات الواجب ، ولاتتفوق على التقسيم الطبقي الذي كان في تلك الحقبة التي جاراها جورج ، ولا تتفوق على تداعيات الزواج السياسية كأن يتزوج رجل من أسرة نبيلة من فتاة من أسرة نبيلة أخرى لأهداف سياسية وهذا النوع من الزواج هو السائد بأغنية الجليد والنار ، ولا نجد كذلك بأغنية جورج الحق منتصراً دائمًا بل نجد الأمور أكثر تعقيدًا وحتى مسائل مثل الحق والشرعية نجدها ضبابية جدًا وتختلف آراء القراء فيهما ، ولو كانت أغنية ككل الأغاني لاختلف الأمر كثيراً وكنا حينها سنرى روب يهزم اللانستر ويحرر أختيه ويأخذ بثأر أبيه وخلفه لوردات ويستروس يؤازرونهُ بنصره ، ولكننا رأينا روب يحقق النصر تلو النصر ويعيد أمجاد عائلته لكنه خلال هذا كله يمهد لنهايته الحتمية التي لن تكون في ميدان القتال وسيح الوغى بل في مائدبة مضيفه وغدرًا على يد أحد لورداته ، نراه يسقط بالخيانة والدناءة فكما يوجد بالتاريخ أشخاصٌ يسوون خلافاتهم بطرائقَ بشعة بغض النظر عن دناءَتها وخستها يوجد كذلك بأغنية جورج رجالٌ هكذا وهم كُثر . ولا نجد الأشقاء يتحدون ليستردوا حقهم بالملك من النغل الغاصب للعرش ويستعيدوا شرف عائلتهم ويحاسبون سيرسي زوجة أخيهم وملكيهم الراحل التي لوثت شرفه بالخيانة بل نرا الأخوة يتوجهون لبعضهم بالسيوف ليتقاتلوا قبل أن يرموا سهمًا واحداً على العرش ، فِعلٌ لم يسع سيرسي إلا أن تسأل تيريون مرة أخرى تسأله كأنها قد شكت في قوة سمعها أو سعة فهمها «ستانيس ورنلي يتقاتَلان؟» وبعد أن أومأ لها بالإيجاب اخذ الاثنان بالضحك ، لكني أكاد اجزم أن جميع القراء لم يسألوا هذا السؤال ولم يضحكوا هذه الضحكة فقد حرص جورج على أن يوضح إلى أي حد الأمور معقدة وإلى أي درجة كان قتالهم مبرر . ولكن يجب علي التنبيه أن جورج لا يجعل البشر بأغنيته سيئين جدًا، ولا يقدسون إلا مصلحتهم الشخصية ومصلحة عوائلهم أو إنهم دائماً يرتمون في حضن المنتصر بغض النظر عن طريقة نصره ، بل على العكس نجد مثلاً رجال العشائر يرفضون حكم ال بولتن ويقاتلون تحت راية ملكٍ جنوبي لا يعرفونه ، ليس لشئ إلا لأنه وعدهم بأخذ ثأر مليكهم المغدور روب ابن لوردهم المحبوب نيد ، وكذلك نجد وايمان ماندرلي لورد الميناء الأبيض يسعى بالخفاء لأسقاط البولتن ويضمر لهم الكره ويبدي عكسه ، وهذا قد يكون حال الكثير من لوردات الشمال لكننا لم نتبين موقفهم بعد ، فالبشر لم يصلوا للسوء الذي يجعلهم يتناسون ملكهم المغدور ويركعون لغادره بكل بساطة . و الآن قبل أن أختم المقال تبقى نقطة واحدة وإن كنت اراها من نافلة القول ، ألا وهي وهم وخطأ القراء الذين يظنون أن جون سنو ما أن يحيى بعد موته سيسل سيفه موجهًا ضربته للبولتن ، وبعدها سيتوجه للأنتقام من آل فراي ، وثم الإنتقام من قتلت أبيه ليلحقهم بقتلت أخيه ، وبعد أن ينهي ملحمته الانتقامية ، سيتوجه للجدار ليرد خطر الآخرون ، فجورج لا يكتب بهذه الطريقة أبداً سواءً شخصية جون أو غيرها من الشخصيات ، ولم يكتب بها كتب الرواية الخمسة الأولى كما أوضحت ، فجورج يكتب "أغنية" ليست واقعية كالحقيقة ولا خيالية كالأساطير لكنها بين هذا وذاك "أغنية" بحق بما تحوي من ملهاة وما فيها من مأساة
- بطرس الناسك
Comments