top of page

راهلور وصراع ستانيس الديني

تاريخ التحديث: ٢٠ ديسمبر ٢٠٢١

*ملاحظة: نشهد أن لا إله إلا الله، وكل ما سيذكر هنا محض خيال ولا نؤمن بأيًا منه. فقط للترفيه وعرض وجهات النظر من العالم الخيالي نفسه

*ملاحظة أخرى: جميع النقاشات هنا مبنية على شخصية ستانيس في الرواية وليس المسلسل، ولكني لا أنكر أفكار المسلسل تمامًا، لذلك لا بأس بالاقتباس من المسلسل إذا كانت الفكرة تدعم أحد أفكار الرواية

*ملاحظة أخيرة: عند تبريري لأفعال وأفكار الملك (خاصة المُنتقدة) لا يعني أنني أُلمّع ما فعله، وإنما أعرض التبريرات المُحتملة من وجهة نظره هو ولتوضيح تفكير الملك ومبرراته



مقدمة: «لا يمكنك تجاهل الدين في الفانتازيا، لأنه مهم جدًا في التاريخ» -جورج ر ر مارتن. عالم الجليد والنار مليء بالديانات العجيبة والمهمة في القصة وفي بعض الأحيان تكون محرّك أساسي في الحروب والقتل والقرارات السياسية، ومن أبرز الديانات هي ديانة راهلور (إله الضياء). تنتشر هذه الديانة في إيسوس والمدن الحرة وآشاي، وسيكون لها دور مهم في أحداث دنيريس القادمة في إيسوس. من ناحية أخرى، في ويستروس لا تحظى الديانة بتابعين إلا قليل وتعتبر ديانة دخيلة أجنبية مكروهة، ومن هذا المنطلق فالديانة نقطة ضعف سياسية لمعتنقيها في ويستروس لكن في الوقت نفسه فهي سلاح فتّاك لا يُستهان به، وما بين سلبياتها وإيجابيتها العائدة على من يعتنقها وارتباطها بالرؤى والنبوءات نجد صراع الملك ستانيس الديني، الصراع الذي أشبّهه بمحيط يصب به أنهار الصراعات الستانيسية الأخرى، ولذلك له ارتباطات وتفرّعات نفسية أخرى بستانيس وهو الصراع الأكبر والأهم في شخصيته من وجهة نظري.

استلهام جورج من التاريخ: قبل الخوض في الموضوع أودّ إعطاء نبذة بسيطة عن الديانتين التي ألهمت جورج تأليف ديانة إله الضياء. في تصريح لجورج يقول إن ديانة إله الضياء أخذت جزء من الديانة الزرادشتية وجزء من الكاثار، وكما قال جورج في طريقة اقتباسه من التاريخ، فإنه لا يقتبس بشكل مباشر وإنما التاريخ يعتبر ملهم له في الكتابة بحيث يأخذ جزء من حدث معيّن وجزء من حدث آخر ويضيف عليهما ويعدّل ويحذف وهكذا...

الزرادشتية: يعود أصل الديانة الزرادشتية إلى ما قبل 2500-3000 عام، ومسقطها في بلاد فارس (إيران) ولا يزال هناك مؤمنين بها حتى الآن. أٌسست من قِبَل (زرادشت) الذي يقول معتقده أن هناك إله واحد وهو (أهورامزدا) ويقولون عنه إله النور الذي خلق الكون وأرسل (زرادشت)، وفي المقابل يعارضه إله الظلام (أهريمان) وهو روح شريرة مدمّرة، ولابد للبشرية أن يختاروا بين القوتين المتعارضتين، بين الخير والشر. الصراع بين هاتين القوتين سينتهي عندما يجتمع جيشاهما العظيمان، عندها سيتجدد كل شيء من أصحاب الدين الخيّر ويُهزم أهريمان، وهذا واجب المؤمنين. نجد هنا مفاهيم مشتركة مع ديانة راهلور فتابعيه يؤمنون بإلهين فقط: إله النور (راهلور) وإله الظلام (العظيم الآخر) وهما مشابهان نوعًا ما لأهورامزدا وأهريمان وعلاقتهما، مع اختلاف أن أهريمان لا يرقى لمرتبة الإله بل يُعد شيطان وعدو أهورامزدا الأزلي، كما هي عداوة وحرب راهلور والعظيم الآخر الأزلية. رؤية تابعي الديانتين للعالم متشابهة، فالعالم بوجهة نظرهم خير وشر أبيض وأسود نور وظلام نقيضين في صراع أزلي إلى أجلِ ما «الليل مظلم ومفعم بالأهوال، والنهار مشرق وجميل ومفعمٌ بالآمال، أحدهما أسود والثاني أبيض. هناك الجليد وهناك النار، الكراهية والحب، العلقم والشّهد، الذكر والأنثى، الألم والمتعة، الشتاء والصيف، الشرّ والخير، الموت والحياة. في كل مكان الأضداد، في كل مكان الحرب. هناك اثنان يا فارس البصل، لا سبعة أو واحد أو مئة ألف، اثنان!» -مليساندرا (عاصفة السيوف. فصل دافوس الثالث). النار عند الزرادشتيين مقدّسة ولا تنطفئ في معابدهم وهي رمز أهورامزدا كما هو الحال مع أتباع إله الضياء وتقديسهم للنار، بحيث يرونها مطهّرة للروح ولا تنطفئ في معابدهم وأيضًا القلب الناري رمز راهلور.


الكاثار: حركة مسيحية يعود أصلها إلى القرن الثاني عشر وتقول عقيدتهم أن العالم نور وفساد، فخالق النور (الروح) هو إله الخير وخالق الفساد (الجسد) هو إله الشر (الشيطان) والإنسان جمع بين العالمين. بحكم اختلافهم مع العقيدة المسيحية بحيث يرون المسيح عيسى -عليه السلام- رسول وليس ابنًا لله، لم تعترف بهم المسيحية وشنّت عليهم حملات صليبية. انقرضت الديانة في القرن الرابع عشر وتشابهها مع ديانة راهلور واضح ومحصور في مفهوم رؤيتهم للعالم (خير وشر) والآلهة (إله الخير وإله الشر).

بداية اعتناق ستانيس وهدفه الأولي: الخط الزمني بخصوص قدوم مليساندرا إلى الملك ستانيس غير واضح تمامًا، لكن نستطيع القول بأنه قبل بداية الرواية بعدة سنوات كما قال بيتر بيلش «فارس أخبرنا قبل سنوات أن الليدي سيليس صارت على صلة قوية براهب أحمر» (صدام الملوك. فصل تيرين الثالث). من الواضح أن سيليس هي من بدأت الاهتمام بالرهبان الحمر، لكن لماذا أتت مليساندرا من الأساس وأصبحت من أكبر موالين ستانيس وأكثرهم إخلاصًا؟ «هل تحسب أني عبرت نصف العالم لأضع ملكًا تافهًا آخر على عرش من ورق؟ الحرب مندلعة منذ بدأ الدهر، وقبل أن تضع أوزارها على البشر قاطبةً أن يختاروا جانبًا يحاربون فيه. على جانب هناك راهلور، إله الضياء، قلب النار، رب اللهب والظل، وضده يقف الآخر الأعظم الذي يجب ألّا يُذكر اسمه، إله الدَّياجير، روح الجليد، رب الليل والهول. خيارنا ليس خيار بين باراثيون ولانستر أو ستارك وجرايجوي، بل بين الموت والحياة، الظلام والنور» -مليساندرا (عاصفة السيوف. فصل دافوس الثالث) أيًا كان توقيت قدوم مليساندرا فهدفها الحقيقي يتبيّن بالاقتباس السابق، وقالت في نفس الفصل أيضًا «المايستر العجوز كان ينظر إلى ستانيس فلا يرى إلا رجلًا، وأنت تراه ملكًا، وكلاكما مخطئ. إنه مختار الإله، محارب النور. لقد رأيته يقود القتال ضد الظلام، رأيته في اللهب، واللهب لا يكذب» عند معرفة هدف مليساندرا الحقيقي من قدومها، تتولّد أسئلة أخرى: ما سبب تقبّل ستانيس لمجيئها؟ وما سبب إيمان سيليس وتديّنها الشديد؟ وما سبب اعتناق الملك ستانيس المتأخر للديانة؟ وما سبب إيمانه المتذبذب والضعيف مقارنةً بسيليس ورجال الملكة؟ بالطبع المشهد غير واضح تمامًا بخصوص الأسباب الكاملة بما أنه حدث خلف الكواليس -أو خلف الورق إن صح التعبير- ولكن هناك عدة نقاط قد تفسّره عمومًا. «في أغلب أعمال الفانتازيا لديك سحر يعمل بوضوح، وهذا قد يؤثر على المشاعر الدينية لعدة أشخاص» -جورج ر ر مارتن. هذه النقطة مهمّة جدًّا في أسباب اعتناق الناس للديانة خاصة إذا تحدّثنا عن ديانة مليئة بالسحر مثل ديانة راهلور وخدع مليساندرا «لديها مساحيق تٌكسب النار لونًا أخضر أو أزرق أو فضيًّا، ومساحيق تجعل اللهب يتأجج ويفح وتثب ألسنته أعلى من قامة أي رجل، ومساحيق لعمل الأدخنة، منها دخان الحقيقة، ودخان للشهوة، ودخان للخوف، والدخان الأسود الثقيل القادر على أن يقتل إنسانًا» -مليساندرا (رقصة مع التنانين. فصل مليساندرا). القوى في ديانة راهلور والرؤى في اللهب -خاصةً إذا وقعت- نقطة قوية ومؤثرة في المشاعر الدينية للأشخاص، لكن هل هذا السبب الوحيد؟ لا طبعًا، بالنسبة لسيليس رأينا إيمانها بأن على رحمها لعنة «روبرت وديلينا دنّسا فراشنا وألقيا لعنةً على زواجنا، والصبي ثمرة فسوقهما النتنة. ارفع ظلّه عن رحمي وسأحمل لك أبناء شرعيين كثر، إنني واثقة من هذا» -سيليس فلورنت (عاصفة السيوف. فصل دافوس الخامس) «لستم تعلمون كم مرة توسّلتُ إلى ستانيس أن نتزوّج ثانيةً في قران حقيقي للجسد والروح يباركه إله الضياء. أعرف أنني سأنجب لجلالته مزيدًا من الأطفال إذا جمعت بيننا النار» -سيليس فلورنت (رقصة مع التنانين. فصل جون العاشر). إيمان سيليس بخصوص اللعنة وربطها بالخلاص من راهلور قد يكون سبب مؤثر لاعتناقها الديانة. أمّا بالنسبة للملك ستانيس، فبدايته مع الديانة لم يكن لديه اهتمام كبير، وسبب عدم رفضه لمجيء مليساندرا هو عدم اكتراثه لديانة السبع من الأساس (الذي يعتبر سبب قوي لنفور الويستروسيين من ديانة راهلور) لكنه لم يعتنق الديانة إلا بعد ما أُقفلت السبل أمامه -على الأقل أقُفلت من وجهة نظره- فنراه محتفظ بمليساندرا وكأنها ورقة احتياط يدفع بها في الأخير عندما تنتهي أوراقه، ويتبيّن هذا عندما وصفه المايستر كرِسن بأنه لا يشارك زوجته حرارة إيمانها «فليحتفظ إلهك ببركته. ما أحتاج إليه هو السيوف وليس البركة. ألديك جيش مخبّأ في مكانٍ ما ولم تخبريني بأمره؟» -الملك ستانيس (صدام الملوك. المقدّمة) عندها بدأت تقنعه سيليس وأخبرته عن الجيوش التي سيضعها إله الضياء بيده ما إن يسلّم به، بدأت الفكرة تراوده الآن وتساءل عن عدد الجيوش، وفي الليلة ذاتها رأينا مليساندرا في المنصّة العالية مع ستانيس وزوجته، ومن هنا بدأت النية. نلاحظ أن بداية مخططات الملك ستانيس وتجهيزاته للحرب لم تتضمّن اعتناقه للديانة: بنى سفن، واستأجر مرتزقة، وأرسل دافوس للوردات العاصفة، وإرسال دافوس يعتبر نقطة أساسية لبدء الحرب، لكن عندما عاد دافوس بخبر رفض لوردات العاصفة كلهم، كان هذا ما سمح لكلام سيليس أن يُلقى بالقبول من الملك ستانيس بعدما أُقفلت السبل أمامه. مات كرِسن بعد محاولته لتسميم مليساندرا (وهذا برهان يضاف لصالح مليساندرا للتأثير بمشاعر الناس الدينية) بعدها استعان الملك بورقة راهلور ومليساندرا وأحرق الآلهة السبعة وأصبح معتنق للديانة حتى أن رسالته للوردات ويستروس خُتمت بـ«تمّ في نور الإله» عندها استنكر دافوس العبارة وقال «شعبك لن يحبّك إذا أخذت منه الآلهة التي عبدها طيلة حياتها، وأعطيتهم إلهًا اسمه غريب على ألسنتهم» وهنا جاء أحد أفضل الخطابات بالرواية وظهر هدف ستانيس الحقيقي من اعتناقه لديانة راهلور «راهلور. ما الصّعب في الاسم؟ تقول إنهم لن يحبّونني؟ ومتى أحبّوني؟ كيف أفقد شيئًا لم أمتلكه قط؟ لقد كففت عن الإيمان بالآلهة يوم رأيت (الريح الفخور) تتهشّم عبر الخليج، وأقسمت أن أيّ آلهة تتوحّش حتى تُغرق أمّي وأبي لن تعرف عبادةً مني أبدًا. في كينجز لاندنج كان السّبتون الأعلى يصدّع دماغي بكلام عن أن العدل والخير كلهما ينبعان من (السبعة) لكن كل ما رأيته من عدلٍ وخيرٍ كان من صنع البشر فقط... فلماذا أُزعج نفسي بهذا الإله الجديد؟ لقد طرحتُ هذا السؤال على نفسي. إن معرفتي بالآلهة قليلة واكتراثي بها أقل، لكن المرأة الحمراء تتمتّع بالقوة. لقد وثقتُ بحكمة كرِسن وحيلك، فبمَ نفعني هذا أيها المهرّب؟ أعادك لوردات أراضي العواصف تجرّ أذيال الخيبة. ذهبت إليهم شحّاذًا وضحكوا مني. طيّب، لا مزيد من الشّحاذة ولا مزيد من الضحك. العرش الحديدي حقّي شرعًا، فكيف آخذه؟ هناك أربعة ملوك في البلاد، وثلاثة منهم لديهم رجال وذهب أكثر مني، وأنا لديّ السّفن... ولديّ هي، المرأة الحمراء. أتعرف أن نصف فرساني يخافون مجرّد النطق باسمها؟ حتى إذا كانت لا تستطيع أن تفعل شيئًا آخر، فلا ينبغي الاستخفاف بساحرةٍ تلقي كل هذا الخوف في قلوب رجال ناضجين. الرّجل الخائف رجل مهزوم. ثمّ إنني أنوي أن أتبيّن إن كانت تستطيع أن تفعل ما هو أكثر» -الملك ستانيس (صدام الملوك. فصل دافوس الأول) بعدها ذكر قصة طائره ذات الجناح الفخور واختتم كلامه بـ«(السبعة) لم يعطوني شيئًا في حياتي ولو مجرّد عصفور، وحان الوقت لأجرّب صقرًا من نوعٍ آخر يا دافوس، صقرًا أحمر» نلاحظ من كلامه أنه ينوي استخدام مليساندرا وراهلور لخدمته والوصول لمبتغاه فهما وسيلة وليسا غاية، وعند النظر إلى وضع البلاد الحالي فليس هناك سبيل آخر للتفوّق على بقية الملوك. أيضًا بدت بوادر تأثير الديانة على عدة مفاهيم لدى الملك: إيمانه أن الحكم بالخوف هو ما يخضع أعداءك وأتباعك «الرّجل الخائف رجل منهزم»، وأيضًا يأسه الكامل من محبة الناس «تقول إنهم لن يحبّونني؟ ومتى أحبّوني؟ كيف أفقد شيئًا لم أمتلكه قط؟» وهي أفكار تطوّرت لاحقًا وزادت من قسوة الملك وأثّرت على أفعاله. لكن هل نية ستانيس استمرّت كما هي عليه؟ أم بدأ دينه الجديد يؤثّر على نفسيته وشخصيته؟

أحداث ستورمز إند: في هذا الفصل نجد تأكيد للأفكار التي توضّحت في الفصل السابق، مثل حكم الملك بالخوف «النّاس لا يحبّوني كما أحبّوا أخي، ويتبعوني لأنهم يخافوني... والهزيمة موت الخوف» -الملك ستانيس (صدام الملوك. فصل دافوس الثاني) ونرى تأثير قوى مليساندرا على ستانيس فبدأ يرتفع إيمانه «الليل حالك ومفعم بالاهوال يا دافوس» -الملك ستانيس. كذلك رؤى مليساندرا التي صحّت أثّرت عليه بدايةً برنلي ومن ثم بنروز، واستدلّ الملك بها وثمّن نصيحتها التي قالت بأنه سيظفر بالجزء الأفضل من قوة رنلي إذا ذهب إلى ستورمز إند وبدأ يفصّل بالحديث يوحي للقارئ من كلامه أن الديانة لم تعد أداة فقط، فستانيس أصبح خبير بها... خبير بها لاستخادمها في مصلحته وخدمته؟ هذا ما يقوله الملك «أعرف أنك لا تحبّ هذه المرأة يا دافوس، فلستُ أعمى. إسترمونت يرى أن القلب الناري اختيار رديء، ويتوسّل أن نحارب تحت الوعل المتوّج القديم، والسير جايارد يقول إنه لا يجدر بامرأة أن تحمل رايتي، وآخرون يتهامسون أن لا مكان لها في مجلسي الحربي، وأن عليّ أن أعيدها إلى آشاي، وأن قضاءها الليل في خيمتي، إثم. نعم، هم يهمسون... وهي تخدم» -الملك ستانيس. لكن لو فعلًا لا زالت أداة، لماذا أحرق شجرة القلوب في ستورمز إند؟ أنت -يا ستانيس- كسبت مليساندرا واستفدت منها، لماذا تهتم بالآلهة "الزائفة" وتحرقها؟ كنت أتمنى لو طرح دافوس هذا السؤال على الملك مثل سؤاله عن حرق السبعة، والذي رأينا تبريره، لكن ليس هناك مبرر لحرق شجرة القلوب -التي علاقة الملك بها ليست كعلاقته مع السبعة فمشكلته كانت مع الآلهة السبعة بالذات لكن هنا أول حدث جمع ستانيس بالآلهة القديمة- سوى أن إيمانه ارتفع بعدما رأى قوى راهلور، ومن جهة أخرى فهي كالجائزة لمليساندرا ورجال الملكة وأيضًا قربان لراهلور للمعركة القادمة، وكما أسلفنا أن أحد تأثيرات الديانة على الملك اليأس من حب الشعب واللوردات «لا مزيد من الشّحاذة ولا مزيد من الضحك» -الملك ستانيس (صدام الملوك. فصل دافوس الأول) فقبل اعتناقه أراد أخذ لوردات العاصفة بالطيب وأرسل دافوس إليهم، لكن الآن لا يكترث لهم ولا لآلهتهم وقبل اعتناقه أخذ نصيحة كرِسن بالتحالف مع آل آرن محل اهتمام لكن بعد اهتمامه براهلور وقبل اعتناقه بقليل رفض الاقتراح لأن زوجته قالت لا يليق بملك أن يتوسّل وراهلور سيعطيك ما تحتاجه وهو حليفك «إن لديه حليفًا، راهلور إله الضياء» (صدام الملوك. المقدمة) وارتباط القسوة بالديانة أمثلته كثيرة كما سيأتينا لاحقًا. تحرّك الملك إلى العاصمة وأراد جلب مليساندرا معه لكن اعترضوا لورداته على مجيئها وكاد أن يرفضه اقتراحاتهم، وهو ما يعيدنا إلى نقطة عدم اكتراث الملك لهم، لكن قال برايس كارون «يا جلالة الملك، إذا جاءت المشعوذة معنا، فسيقول الناس بعد المعركة إنه كان نصرها هي لا نصرك، سيقولون إنك مدين بتاجك لتعاويذها» (صدام الملوك. فصل دافوس الثالث) تغيّر رأي الملك وكأنه عاد لطبيعته ولسان حال برايس يقول إنها أداة تريد استخدامها فلا تسلب الانتصار منك. إرسال الملك لمليساندرا هو بمثابة عودة الأمور لنصابها وانخفاض إيمان ستانيس، ووصفت مليساندرا فعلته وقالت «لو كنت معكم لاختلفت نتيجة المعركة، لكن جلالته كان محاطًا بالزّنادقة، وطغت كبرياؤه على إيمانه. عقابه كان باهضًا لكنه تعلّم من غلطته» (عاصفة السيوف. فصل دافوس الثالث).

الملك بين دافوس ومليساندرا: «ملكك أخشى أنك ستجده مختلفًا عمّا عرفته. منذ المعركة وهو لا يرى أحدًا، وإنّما يجلس واجمًا في طبلته الحجرية، والملكة سيليس تعقد البلاط نيابةً عنه مع عمّها اللورد آلستر الذي نصّب نفسه يد الملك. لقد أعطت ختم الملك لهذا العم ليضعه على الرسائل التي يكتبها» «الحرس يمنعون أي أحد آخر من الدخول عليه، حتى ملكته وابنته الصغيرة، والخدم يجلبون إليه وجباتٍ لا يأكلها» -سالادور سان (عاصفة السيوف. فصل دافوس الثاني) خسر الملك المعركة وخسر معها جيشه وقوّته ويده وأيضًا خسر نزعته ضد مليساندرا ودينها. الآن أكثر من أي وقت ستانيس بحاجة لها، والآن أكثر من أي وقت ارتفع إيمانه، والآن أكثر من أي وقت ارتفع شأن مليساندرا، فبجانب أنها السلاح الوحيد الذي تبقّى لديه، فدراجونستون تعجّ برجال الملكة الآن «(دراجونستون) تعجّ برجال الملكة» -سالادور سان. لدرجة أنها الوحيدة التي تراه بعدما تملّكَه اليأس ونخرت به الهزيمة وانعزل بنفسه «إنها لا تبتعد عن الملك أبدًا» -آكسل فلورنت (عاصفة السيوف. فصل دافوس الرابع). مع ارتفاع شأن مليساندرا ورجال الملكة نجد غياب كامل للطرف الآخر لنصح الملك وهو دافوس، هذه الفترة (ما قبل مجيء دافوس) مهمة بنفسية ستانيس والصراع القائم، كونه وحيد مع مليساندرا هذا يعني أن هناك طرف واحد لنصحه وهو طرف راهلور وأفكار مليساندرا، وغياب دافوس ليكبح الملك عن هذه الأفكار يسهّل على مليساندرا العكس، خاصة بأن الملك يلوم نفسه على عدم جلب مليساندرا للمعركة وهي نقطة تضاف لسوابقها من البراهين لتصب بإيمان الملك وترفعه «العنّي لكبريائي العنيدة التي جعلتني أصرفها وأنا في أمسّ الحاجة إليها، لكن ليس مليساندرا. إنها لا تزال خادمتي الوفيّة» -الملك ستانيس (عاصفة السيوف. فصل دافوس الرابع). بالإضافة لكل هذا، أفكار مليساندرا الآن ارتبطت بواجب الملك، وهو ما يزيد التأثير عليه، فالواجب -من وجهة نظري- هو نقطة ضعفه، لأنه مستعد فعل أي شيء إذا علِمَ أنه واجبه، لكن دافوس وصل بالوقت المناسب وعاد الملك لطبيعته يرى أشخاص غير مليساندرا، وفي وسط هذه الأحداث خرجت فكرة مليساندرا بخصوص التضحية بإدريك ستورم لإيقاض التنين الحجري، لأن مليساندرا تعتقد أن ستانيس يجب أن يفوز بالعرش لينقذ المملكة وهذا السبيل الوحيد. هنا أتى دور دافوس لينصح عكس مليساندرا، وما بين هذا وتلك، وقف الملك بينهما في صراع نفسي مرتبط بدينه وتمتدّ جذوره إلى واجباته.

ستانيس وأسلوب الرأي المضاد: في خلافات عالمنا الواقعي ونقاشاته هناك أسلوب شهير لتثبيت الفكرة أكثر لدى المؤمن بها وتقوية حجته، لا أعلم إن كان يطلق عليه اسم معيّن أو يصنّف تحت تصنيفٍ ما، لذلك أطلقتُ عليه اسم من عندي (أسلوب الرأي المضاد) لإيصال الفكرة. الأسلوب عبارة عن تقمّص الشخص لفكرة مضادة لفكرته المؤمن بها، ليقوّي حجته وردوده على الفكرة المضادة.على سبيل المثال: هناك شخصين مؤمنين بالفكرة (أ) وهناك فكرة مضادة لفكرتهم وهي الفكرة (ب)، باستخدام هذا الأسلوب يتقمّص أحد الشخصين شخصية أخرى بحيث يدّعي الإيمان بالفكرة (ب) ويناقش الشخص الآخر ويحاجّه بحجج المؤمنين بالفكرة (ب) لتقوية حجج وإيمان الشخص الآخر بالفكرة (أ). أسلوب الرأي المضاد نلاحظ تطبيقه من الملك ستانيس في هذا الصراع لكن على بُعد آخر، فستانيس هنا يتقمّص شخصيتين لأنه يجادل شخصين بفكرتين مختلفتين (دافوس ومليساندرا) فمليساندرا تحرّضه على حرق إدريك فيناقشها بأفكار وحجج دافوس والعكس مع دافوس، وهو بينهما يريد أحدهما أن يقنعه بأفكارهما وكأنه -بل هو كذلك- يبحث عن القرار الصحيح في هذا الصراع المتعب. «في أغلب أعمال الفانتازيا لديك سحر يعمل بوضوح، وهذا قد يؤثر على المشاعر الدينية لعدة أشخاص» هذه الفكرة مهمة جدًّا هنا، وتلعب دور في هذا الصراع لصالح مليساندرا وهو عامل قوي بتطوّر الأفكار لدى الملك، فبجانب صراعه بين دافوس ومليساندرا، من ناحية أخرى هناك صراع بين عقله وقلبه، فعقله مستوعب قوة راهلور وقال شيء يثبت هذا الكلام في المسلسل «لم أصدّق أبدًا، لكن عندما تنظر إلى الحقيقة وهي هناك كحقيقة هذه القضبان الحديدية، كيف يمكنك أن تُنكر حقيقة إلهها؟». ستانيس لا يستطيع إنكار نبوءات مليساندرا وهي عملية تراكمية، فقد رأى قوة مليساندرا وراهلور بعدة مواقف وهي كانت سلاحه الأقوى -والوحيد الآن- ونجحت كل نصائحها ورؤاها، فرأت موت رنلي وبنروز وبقواها كسب الملك جيش أراضي العاصفة وستورمز إند وعندما قرر التخلّي عنها خسر وندم على قراره كما أسلفنا. لكن التأثير هنا ليس بحاجة ستانيس إليها بقدر ما هو رؤية ستانيس أن أفكارها هي الصحيحة وتصديق رؤاها؛ فالأمر ارتبط بواجبه ومستقبل ويستروس. في المقابل، قلبه يرفض أفكار مليساندرا ويميل لأفكار دافوس ويبحث عن أي مخرج وعذر ليقنع نفسه أن أفكار مليساندرا خاطئة، وكما هي عادة القلب العاطفية، مستعد التمسّك بقطعة خشبية من الكلام العاطفي لينجو من أمواج هائلة من الأدلة العقلية. بدأ صراع أفكار دافوس ومليساندرا عند الملك في أول لقاء بين دافوس وستانيس، عندما ذكر دافوس أنه رأى إدريك في (حديقة إيجون) قال الملك «كما أرادت، كما رأت» وبعدها تنهّد، رؤية مليساندرا لمحادثة دافوس وإدريك نقطة تضاف لسوابقها في صالح أفكار مليساندرا، وتنهُّد الملك يعطيك دلالة على أثر الدلائل على قلبه وانزعاجه منها. بعد أن تحدّث ستانيس عن إدريك وأن مليساندرا قالت له إن في دماء الملوك قوّة، تحدّث عن مملكته وحقّه (ويستروس) وقال «انظر إليها يا فارس البصل. مملكتي، حقّي، بلادي ويستروس» «سأقيم العدل في ويستروس» «حين أحكم مملكتي، كل امرئ سيحصد ما زرعه، من أعلى اللوردات إلى أدنى جرذان الحواري» (عاصفة السيوف. فصل دافوس الرابع). مجيء هذه المحادثة بعد ذكر إدريك كأن جورج من تسلسل سرده للمحادثات يلمّح أن ستانيس ربط إدريك بالحكم وأخذ المملكة وإقامة العدل (واجبه). في نفس الفصل تحدّث الملك عن رؤيا أيقنت الملك أن دوره وواجبه هو الدّفاع عن المملكة ضد الآخرون «كانت المدخنة تسحب الدخان بقوّة، وذرّات الرماد تتصاعد في النار، ونظرتُ فيها شاعرًا بالحمق، لكنها قالت أن أتعمّق ببصري، و... كان الرماد أبيض، يرتفع مع التيّار الصاعد، لكن فجأة بدا كأنه يسقط. قلت في نفسي إنه ثلج، ثم بدت الشرارات في الهواء كأنها تدور مكوّنةً حلقةً من المشاعل، ووجدتٌ نفسي أتطلّع عبر النّار إلى تلّ عالٍ في غابة. تحوّلت الجمار إلى رجالٍ يرتدون الأسود وراء المشاعل، وثمّة أشياء تتحرّك في الثلج، وعلى الرغم من حرارة النّار شعرتُ ببردٍ فظيع أرجفني، وحينها تلاشت الرؤيا، وعادت النّار نارًا... لكن ما رأيته كان حقيقيًّا، وأراهن بمملكتي على هذا» وفسّرتها مليساندرا «معنى هذا أن المعركة بدأت. الرّمال تجري في الزّجاج بسرعة الآن، وساعة الإنسان على الأرض تُشارف الانتهاء. يجب أن نتصرّف بجسارة وإلا ضاع كلّ أمل. لابدّ أن تتحد ويستروس وراء ملكها الشّرعي الأوحد، الأمير الموعود، سيّد دراجونستون ومختار راهلور» مكشّرًا قال الملك، كأنه تذوّق شيئًا كريه الطعم «راهلور يختار بغرابة إذن. لماذا أنا وليس أخوَي؟ رنلي وخوخته. في أحلامي أرى العصير يسيل من فمه والدم من حلقه. لو أدّى واجبه نحو أخيه لدحرنا اللورد تايون معًا. انتصار كان روبرت نفسه ليفخر به. روبرت... أراه في أحلامي أيضًا، يضحك ويشرب ويتفاخر. تلك كانت الأشياء التي أجادها أكثر من غيرها، هي والقتال. إنني لم أتفوّق عليه في أي شيء قط. كان المفترض أن يختاره إله الضياء نصيرًا له. لماذا أنا؟» تكشير الملك من تفسير مليساندرا وربْطها مع نبوءة الأمير الموعود التي تراها منطبقة على ستانيس، ومن ثمّ ذِكره لأخوَيه، يبيّن انزعاجه من الأمر برمّته، لماذا أنا المختار؟ روبرت تفوّق عليّ بكل شيء... لماذا أنا المختار؟ الأمر صعب، هل أضحّي بإدريك؟ هل هذا القرار الصحيح؟ هل هذا واجبي؟ هل هذا ما ينبغي فعله؟ ... لماذا أنا المختار؟ أخوَي كانا يجعلان النّاس يحبونهما... لماذا أنا المختار؟ ليس لديّ قوّة لأدمّر أعدائي لأنقذ المملكة... لماذا أنا المختار؟ جاوبت مليساندرا «لأنك رجل نزيه» وردّ الملك وهو يتحسس الطبق (الذي فيه العلقات) «رجل نزيه... معه علقات» قالت مليساندرا أن هذه الطريقة ليست السبيل، غضب الملك وقال إنّكِ أقسمتِ أنها ستصلح، ردّت بأن التضحية بإدريك هي الوسيلة الأضمن والأفضل وحاولت به لكنّه رفض رفضًا قاطعًا، ونلاحظ هنا ملاحظتين في الجدال السابق: أولًا، فكرة مليساندرا بتضحية إدريك قد عرضتها على الملك قبل مقابلته لدافوس لكنه رفض وهذا يبيّن -رغم كل دلائل وبراهين مليساندرا- أنه لا زال يبحث عن وسيلة أخرى ووجد وسيلة العلقات. ثانيًا، رغم رفض الملك تضحية إدريك وبحثه عن وسيلة أخرى إلا أن ضميره كأنه يؤنّبه بشأن العلقات حيث ربطها مع النزاهة. رمى الملك العلقات في النار (الوسيلة الأخرى) لكن الحقيقة أن هذه الوسيلة هي التي ستؤدي إلى السبيل "الوحيد" الذي تريده مليساندرا، وموج هائل قادم لمصلحتها. مات ملكان وازدادت الأدلّة على صحة كلام مليساندرا وقوّتها، وعلى الرغم من أنها ضربة قويّة لأعداء الملك، إلا أننا نراه متبلّد المشاعر عندما تلقّى خبر موت روب، فكره كلّه مشغول بالعلقات ويسائل نفسه: أما من سبيلٍ آخر؟ «مرّت لحظة والملك يبدو كأنه لم يسمع، فلم يلُح عليه سرور أو غضب أو تشكيك أو حتى راحة إذ تلقّى الخبر، فقط حدّق إلى مائدته المرسومة بفكٍّ مطبق عن آخره» -دافوس يصف الملك (عاصفة السيوف. فصل دافوس الخامس). استمرّ تقمّص الملك للأدوار في هذا الفصل باستخدام "أسلوب الرأي المضاد" فعندما قال آكسل فلورنت أن يد راهلور هي من قتلت روب وأيّدته سيليس، لم يتّفق الملك معهما وحاول أن يشكك بصحة القوى وقال «هل يد راهلور مبقّعة راجفة؟ يبدو لي أن ما حدث كان بيد والدر فراي وليس أي إله» تقمَّصَ الملك هنا أفكار دافوس وهو يجادل مليساندرا وسيليس، ويتبيّن من كلامه أنه منزعج من قوة حجج مليساندرا ويحاول أن يتمسّك بأي أمل آخر ينجيه من السبيل الذي تريده مليساندرا، فعندما قالت سيليس «إله الضياء أرسل مليساندرا كي تقودك إلى مجدك، فأتوسّل إليك ان تسمعها. لهب راهلور المقدّس لا يكذب» رد الملك كأنه يبحث عن عذر «هناك أكاذيب وأكاذيب يا امرأة. حتى عندما يقول هذا اللهب الصّدق يظلّ الكلام مليئًا بالحيل والألاعيب» حاولت به مليساندرا وقارنت سيليس موقفه مع موقف إجون الفاتح لتقنعه أن التنانين هي السبيل لنصره، لكنه رفض «تسعة سحرة عبروا البحر ليجعلوا بيضات إجون الثّالث تفقس، بيلور المبارك أمضى نصف عام يصلّي على بيضاته، إجون الرابع بنى تنانين من الخشب والحديد، إريون اللهب الساطع شرب نارًا شعواء ليحوّل نفسه إلى تنين... وفشل السحرة، ولم يُجَب دعاء بيلور، واحترقت التنانين الخشب، ومات الأمير إريون صارخًا» رفضت سيليس الاستسلام وقالت «لا أحد منهم كان مختار راهلور، ولم يتّقد مذنّب أحمر في السماوات معلنًا مجيئهم، وليس منهم من حمل سيف الأبطال الأحمر (جالب الضياء)، ولا أحد منهم دفع الثمن. الليدي مليساندرا ستقول لك يا سيدي، وحده الموت ثمن الحياة» وقال الملك كأنه يبصق الكلمة «الصبي؟» تذمّرَ الملك بعدما رددت سيليس وآكسل أن الصبي هو السبيل وقال «لقد ضقتُ ذرعًا بهذا الصبي المأفون من قبل أن يولد حتى. مجرّد اسمه هدير في أذني وسحابة سوداء على روحي» هنا استغلوا الفرصة (مليساندرا وسيليس وآكسل) عندما رأوا الملك متذمّر بخصوص إدريك وتوسّلت إليه سيليس أن يعطي إدريك لمليساندرا وأتته من جانب آخر وقالت ارفع ظلّه (إدريك) عن رحمي لكن لا زال رافض وقال «إنه دمي. إليك عني يا امرأة. ربما لعن روبرت فراش زواجنا حقًّا. لقد أقسم لي أنه لم يقصد إهانتي قط، أنه كان سكرانًا ولم يعرف أي غرفة نوم دخل ليلتها، لكن هل هذا يهم؟ الخطأ ليس خطأ الصبي أيًّا كانت الحقيقة» لاحظَت مليساندرا أن الملك مصرّ أن إدريك بريء وهذه حجته فأتته من هذا الجانب وقالت «إله الضياء يعزّ الأبرياء ولا قربان أثمن منهم. من دماء الملوك في عروقه ومن نيرانه النقيّة سيولد تنين» هنا بدأ ينزاح الملك لأفكار مليساندرا قليلًا وقال مقرًّا رغمًا عنه «لا أنكر أن شهادة الحياة تدبّ في الحجر ستكون شيئًا باهرًا، وامتطاء تنين... أجنحة التنانين تخفق فوق ويستروس... سيكون مشهدًا...» لاحظَ دافوس أنه بدأ يخسر الصراع لذلك تدخّل بسرعة وقال «إنني أعرف القليل عن التنانين وأقل عن الآلهة... لكن الملكة تكلّمت عن اللعنات، وما من أحدٍ ملعون كقاتل الأقربين في نظر الآلهة والبشر» وتناقش مع مليساندرا قليلًا وعندما احتجّت مليساندرا بقوة العلقات التي أحرقها الملك قال «حتى مهرّب بصل مثلي يعرف الفرق بين بصلتين وثلاث. ينقصكِ ملك يا سيدتي» ضرب دافوس أفكار مليساندرا بحجّة قوية أعادت الملك إلى صفّه... لكن أعادته محمّلًا بأفكار مليساندرا كما سيتبيّن بعد قليل. ضحك ستانيس ضحكة قصيرة وقال «إنه مصيب يا سيدتي، اثنان ليسا ثلاثة» فرِحَ الملك بهذا الرد وكأنه كان يبحث عنه طوال الجدال ليوقّف الأمواج القويّة على قلبه، فقد أعطت حجة دافوس وقت للملك وراحة بسيطة وأمل ضئيل يتشبّث به، وسألت مليساندرا وكأنها تُري الملك هشاشة أمله وحجته المتمسّك بها «قد يموت ملك أو ملكان مصادفةً... لكن ثلاثة؟ إذا مات جوفري في أوجّ قوّته وهو محاط بجيوشه وحرسه الملكي، أفلن يبرهن هذا على قوّة الإله» بالرغم أن مليساندرا محقّة -من وجهة نظر ستانيس كما سيتبيّن- بأن هذا شيء يثبت قوة راهلور، لم يتفق الملك تمامًا بل قال «ربما» وهو يمتعض من كل كلمة قالتها، فلا زال كاره للفكرة ولا زالت الحقيقة صعبة مريرة. حاولت سيليس معه محاولة أخيرة لكن قاطعها مستخدمًا حجّة دافوس وأمله الأخير وصرفهم. بقيَ دافوس ليطمئن من أن الملك بصفّه وقال «مولاي، بخصوص إدريك ستورم...» لوّح ستانيس يده بحدّة وقال «أعفني» من الواضح أن الملك متعَب من الصراع، وتحوّل تقمّص ستانيس الآن إلى الشخصية الأخرى المؤمنة بأفكار مليساندرا وكأنه يقول لدافوس أقنعني، أثبت لي أني مخطئ ودمّر حجج مليساندرا، فحدث تبادل أدوار جميل هنا، فقد أصبح دافوس يحاجّ ستانيس بحججه (حجج ستانيس)، وستانيس يحاجّ دافوس بحجج مليساندرا، فعندما بدأ دافوس الاعتراض وقال «ابنتك تتلقى دروسها معه، وتلعب معه كل يومٍ في (حديقة إجون)» حجّته هنا مثل رد ستانيس على مليساندرا في الفصل السابق عندما قالت إن الصبي دنّسك فقال «روبرت فعل هذا وليس الصبي، وابنتي أصبحت مغرمةً به. ثمّ إنه من دمي» حتى إن ستانيس رد على دافوس ردود مباشرة فقال «أعرف» وقال دافوس «سينكسر قلبها إذا أصابه...» فقال إنه يعرف أيضًا... يعرف هذا الكلام وهذه الردود فبالنهاية يا دافوس إنك تستخدم حججه عليه... يعرف أن هذا الفعل قد يكون ظاهريًّا خاطئ... يعرف أن إدريك من دمه ويجب ألّا يؤذيه... يعرف أن شيرين أصبحت مغرمة به... يعرف أنه بريء ولا يستحق الموت... لكن هنا جاءت حجة مليساندرا بلسان الملك وقال «مجرّد صبي واحد! قد يكون أفضل صبي تنفّس هواء هذا العالم ولن يهم. إن واجبي نحو البلاد. كم صبيًّا في ويستروس؟ كم صبيّةً؟ كم رجلًا وكم امراة؟ إنها تقول إن الظلام سيفترسهم جميعًا، الليل الذي لا ينتهي. تتكلّم عن النبوءات... عن بطل موعود في البحر، وتنانين حيّة تُفقس من الحجر الميّت... تتكلّم عن علامات وتُقسم أنها تشير إليّ. إنني لم أطلب هذا كما لم أطلب أن أكون ملكًا، لكن هل أجسر على تجاهلها؟ إننا لا نختار أقدارنا، لكن علينا... علينا أن نؤدّي واجبنا، أليس كذلك؟ عظيمًا كان أم ضئيلًا، علينا أن نؤدّي واجبنا. مليساندرا تُقسم أنها رأتني في لهبها، أواجه الظلمة رافعًا (جالب الضياء) عاليًا» حجته هنا مشابهة لكلام مليساندرا عندما حاولت أن تقنعه في الفصل السابق «إنه مجرّد صبي وليد زنا مقابل كل صبية ويستروس، وكل الفتيات أيضًا، مقابل كل الأطفال الذين قد يولدون في كل ممالك العالم» كأن الملك بهذه الحجج يريد دافوس أن يرد على أقوال مليساندرا ويقنعه بالعكس، يريد أن ينكر قواها ورؤاها لكنه مثل ما قال، هل يجسر على تجاهلها؟ فعلًا لا يستطيع إنكار الحقيقة، خاصةً وأنها مرتبطة بواجبه ومستقبل المملكة. قال دافوس «جلالة الملك، الثمن...» رد الملك «أعرف الثمن! ليلة أمس بينما أنظر إلى اللهب رأيتُ أشياء أيضًا، رأيت ملكًا بتاج ناري على رأسه، يحترق... يحترق يا دافوس. تاجه التهم لحمه وأحاله إلى رماد. هل تحسبني أحتاج إلى مليساندرا لتفسّر لي ما يعنيه هذا؟ أو إليك؟» هذه الرؤيا مهمّة جدًّا وقد تكون أهم رؤيا لستانيس، لن أُفصّل في تفسيراتها واحتمالات معانيها لأنها خارج الموضوع، لكن من الجدير بالذكر أن الثمن الذي يقصده دافوس هو إدريك، كونه ثمن إيقاض التنانين، لكن ستانيس رد بأن الثمن هو موته (موت ستانيس)... لكن ثمن ماذا؟ على ما يبدو أنه ثمن الحرب والمواصلة في أداء الواجب وكيف سينتهي ستانيس بسببه، هو مختار راهلور وسيهلك لهذا السبب... لكن عندي تفسير آخر -أو إحساس إذا أردت أن تصفه بدقّة- غير تفسير ستانيس ودافوس وهو أن الثمن يُقصد به استخدام الملك للديانة ومليساندرا كأداة يستفيد منهما، لكن بالنهاية ستهلكه الديانة، لأنك لا تستطيع -يا ستانيس- أن تستخدم ديانة وقوّة إلهية كأداة -بغض النظر أن مشاعره اختلفت لاحقًا تجاه الديانة وتأثّر هدفه الأولي- تستفيد منها لتحقق مبتغاك. قال الملك «إذا مات جوفري... فما قيمة حياة صبي نغل واحد مقارنةً بمملكة؟» ستانيس بدأ يميل لأفكار مليساندرا من جديد وصَرَفَ دافوس، وعندما خرج وقال «أمرك يا جلالة الملك» وصفه دافوس بأنه قد نسيه تمامًا، وهذا الوصف الدقيق يوضّح أن الملك لا زال شارد ذهنه في الصراع.

تقبّل الحقيقة ونهاية الصراع المصغّر: «هو معهم، لكنه ليس منهم» (عاصفة السيوف. فصل دافوس السادس) قالها دافوس لنفسه بينما يرى الملك ورجال الملكة عند النار الليلية وهو ذاهب لتهريب إدريك بعدما تحقق شرط الملك (موت جوفري)؛ وهذا الحق، أن ستانيس مع رجال الملكة وراهلور لكنه ليس منهم، يرتفع إيمانه وينقص، يخطئ بقرارات دينية ويصيب بأخرى، لكن يظلّ الواجب أول اهتمامات ستانيس وهو ما يخدمه بحق وليس أي دين أو إله. نعود لدافوس وتهريبه، بعدما هرّب إدريك بنجاح عاد للقاعة ينتظر أن يأتي ستانيس ليبرر ما فعله، وعندما دخلت مليساندرا أخبرته أن جوفري مات ورأت موته في النار، لكن لا زال ستانيس يحاول يشكك ويختلق أعذار وقال «ليسا ثلاثة. في النار الليلية. اللهب خدّاع. ما هو كائن، ما سيكون، ما قد يكون. لا يمكنكِ ان تجزمي» تدخّل دافوس وأكّد موته فقالت مليساندرا إنه الثالث فقال «أستطيع العدّ يا امرأة» وتشعر من ردّه أن فيه جزء منزعج من تأكيد كلام مليساندرا وصحة رؤاها لأنه يحقق الشرط الذي قاله، رغم أن جوفري عدوّه وموته يفيده. طلبت مليساندرا من ستانيس أن يعطيها إدريك بما أن الشرط تحقق، لكن عند تدخّل دافوس قال الملك «أعفني من تأنيبك. الأمر لا يروقني أكثر مما يروقك، لكن واجبي تجاه البلاد، واجبي... أتقسمين أن لا وسيلة أخرى هنالك؟ فلتقسمي بحياتك وإلّا أعدكِ بأنكِ ستموتين شرّ ميتة» فأكّدت مليساندرا أن هذا واجبه، وعندها علم الملك أن دافوس هرّب إدريك وقال «ما فعلته في نظر البعض خيانة» ثمّ ذهب للنافذة وقال بلهجة فيها من التعب أكثر من الغضب «لقد رفعتك من التراب يا دافوس. أكان الولاء أكثر مما علي أن آمل؟». بلهجة فيها من التعب أكثر من الغضب... الملك تعب من هذا الصراع الذي طال ولا يعرف ما يجب فعله، بل تبدو كل الخيارات خاطئة... تعب من هموم المملكة التي لا تريده ولا يستطيع إنقاذها... تعب من الواجبات المحمّلة عليه ولا يستطيع تأديتها ومن الأمواج التي تدفعه ليضحّي بابن أخيه، وبعد انتهاء الصراع -بما أن إدريك ذهب- قال ما يدور في خُلده، فطيلة الصراع يرد على دافوس بأفكار مليساندرا ويرد على مليساندرا بأفكار دافوس وهو بينهما، لكن عندما مال إلى جهة مليساندرا، قال السبب وباح بما في صدره وقال الأفكار الحقيقية التي تحكمه وتُملي عليه أفعاله «لم أطلب هذا التاج قطّ. الذهب بارد وثقيل على الرأس، لكن ما دمت الملك فعلى عاتقي واجب... إذا كان واجبي أن أضحّي بصبيٍّ واحدٍ للهب لأنقذ مليونًا من الظلام... التضحية... التضحية ليست سهلة يا دافوس، وإلّا فهي ليست تضحية حقيقية. أخبريه يا سيدتي» عندها تحدّثت مليساندرا عن تضحية آزور آهاي بزوجته، ويبدو أن هذه القصة والتضحية أثّرت على الملك، وسهّلت قبول فكرة التضحية عنده. يقول دافوس في الفصل السابق «أين أعثر على الريح التي تدفع الملك ستانيس إلى عرشه؟» وها هو وجد الريح التي تنجي الملك من تلك الأمواج المتراطمة، ففتح رسالة الحرس وغيّر خطة الملك تمامًا، بل عكسها، فقال ستانيس لاحقًا عن نصيحة دافوس «اللورد سيوورث متواضع الميلاد، لكنه ذكَرني بواجبي بينما لم أكن أفكّر إلّا في حقوقي. قال دافوس إنني أضع العربة أمام الحصان، إنني أحاول الفوز بالعرش لأنقذ المملكة، على حين أن واجبي أن أنقذ المملكة لأفوز بالعرش» (عاصفة السيوف. فصل جون الحادي عشر).

راهلور وستانيس والشمال: «أنوي السماح للهمج بالمرور من الجدار... لمن يقسمون لي على الولاء، ويتعهّدون بالحفاظ على سلام الملك وصيانة قوانينه وقبول إله الضياء إلهًا لهم» -الملك ستانيس (عاصفة السيوف. فصل جون الحادي عشر). هذا القرار من أكبر أخطاء الملك، وهو وضع اعتناق ديانة راهلور كشرط للهمج لمن يريد العبور. قبل الدخول بتفاصيل مسببات القرار، أذكّر أن ستانيس كونه منتصر فلهُ كامل الحرّية باختيار الشروط التي يريدها ويراها مناسبة ويستفيد منها، التحالف معهم والسماح لهم بالعبور بحد ذاته قرار شجاع وصحيح كما قال في نفس الفصل «كلما سفكنا مزيدًا من دماء بعضنا بعضًا أصبحنا أوهن وأوهن حين يكرّ علينا العدو الحقيقي» لكن لم تكتمل صحة القرار بسبب الشرط الخاطئ الذي أفسد جزء كبير من الاستفادة من التحالف. السؤال: لماذا اشترط الملك هذا الشرط بما أنه مستخدم الديانة كأداة -كان يراها بهذا الشكل على الأقل- وليس غاية؟ للجواب نرجع قليلًا بالأحداث إلى أوائل قرارات الملك في الجدار، وهو ترميم قلاع الجدار ووضع حاميات بها وإشعال النار الليلية عند بواباتها، استنكر رجال الحرس هذا القرار فردّت مليساندرا «السيوف وحسب لا تستطيع أن تصد هذه الظلمة. وحده إله الضياء يستطيع. الحرب التي جئنا نخوضها ليست صراعًا تافهًا على الأراضي والألقاب. حربنا من أجل الحياة ذاتها، وإذا هُزمنا يموت معنا العالم» (عاصفة السيوف. فصل سام الخامس) عندها سألها إيمون عن الأمير الموعود، ذكرت مليساندرا النبوءات التي تراها تنطبق على ستانيس وأنه هو الأمير الموعود، وبعد كلامها اضطرب ستانيس وصرّ أسنانه، بعيدًا أن هذا يوضّح انزعاج الملك من أنه مختار راهلور كما تبيّن بعدّة مواقف أخرى؛ الموقف أيضًا يبيّن أن الملك ينظر الآن للديانة بنظرة مغايرة، ولم يخرج من صراع إدريك سليم الأفكار. يعتقد ستانيس -بناءً على أفعاله- أن راهلور دوره مهم في الحرب وهي حربه كما هي حرب ستانيس؛ لذلك بجانب وضع النّار الليلية اشترط على الهمج أن يقبلوا بإله الضياء كإلهٍ لهم. هذا من جانب معيّن، ومن جانب آخر قد يكون أحد أسباب وضع الشرط هو لضمان ولاؤهم؛ الويستروسيون ينظرون للهمج كهمج فعلًا، وأنهم وحوش ولا يثقون بهم؛ لذلك الكثير رفض قدومهم خلف الجدار بمن فيهم بعض الحرس، حتى جون ساورته الشكوك «يتساءل جون عن الجانب الذي سيختاره رعايا ستانيس الجدد لمّا تحين هذه الساعة» وعندما سأله باون مارش «هل تظنّ أنهم سيحفظون العهد يا سيدي؟» رد «بعضهم وليس الجميع» -جون (رقصة مع التنانين. فصل جون الثالث) «سيخونوننا» -تورجن فلينت «حتى في الجنوب يشتهر الهمج بخيانتهم» -السبتون سالادور (رقصة مع التنانين. فصل جون الحادي عشر) وغيرها الكثير من الاقتباسات والمواقف التي تبيّن كره الويستروسيين للهمج وعدم الثقة بهم، وجون قد واجه الكثير من اعتراضات إخوته السود بخصوص قراره بضم الهمج. لكن أليس الركوع يضمن ولاؤهم؟ هنا مربط الفرس وتساؤل ستانيس عنهم لجون «هل تعتقد أنهم يتمتعون بالشرف؟» (عاصفة السيوف. فصل جون الحادي عشر) فقال جون أنهم شريفين بطريقتهم الخاصة؛ لذلك هذا قد يكون أحد الأسباب التي جعلت الملك يشترط اعتناقهم لراهلور ليضمنهم أكثر، فالركوع وحده قد لا يكفي خاصةً أنهم يحقرونه، كما قال جون لسيليس «افعلي ذلك يا جلالة الملكة وسينهضون ثانيةً مع أول فرصة، ينهضون شاهرين السلاح» (رقصة مع التنانين. فصل جون الحادي عشر).

ستانيس والشماليين: «الآلهة القديمة قويّة في تلك الجبال، ولن يسمح رجال العشائر بإهانة أشجارهم» -جون سنو (رقصة مع التنانين. فصل جون الرابع). كسب الملك عدة عوائل شماليّة وعشائر الجبال وأصبح يصارع نوع جديد من الصراع الديني؛ فرجال الملكة يحاولون يعيدون أفكار مليساندرا إليه -التي ذهب كثير منها خلال مخالطته للشماليين- ويزيدون إيمانه ويحرّضونه على أفعالهم الدينية المكروهة في الشمال، ومن الجانب الآخر يحاول الملك ألّا يغضب الشماليين. نلاحظ التغيّر بأفعاله الناتجة عن انخفاض إيمانه بدايةً بربوة الغابة؛ حيث أنه لم يحرق شجرة الويروود كما فعل في ستورمز إند، والحديديين الذين أعدمهم لم يُحرقهم بل شنقهم «سنطلب فدية مقابل الربابنة والفرسان والمحاربين البارزين وغيرهم من أبناء الأعيان أو نجد لهم استخدام آخر، والباقون أنوي أن أشنقهم» -رسالة الملك ستانيس إلى جون سنو (رقصة مع التنانين. فصل جون السابع) هنا حالة شبيهة -معاكسة- لأحداث دراجونستون بعد معركة النهر الأسود وتحديدًا في فترة ما قبل مجيء دافوس، حيث ازداد ارتباط الملك بمليساندرا مما أدى إلى استقبال الأفكار من طرف مليساندرا فقط وغياب دافوس، وبذلك ارتفع إيمانه؛ والآن حدث العكس، فهو مختلط مع الشماليين ومليساندرا ليست معه وهو ما خفض إيمانه وجعله يستقبل الأفكار من طرف الشماليين، لكن ليس تمامًا، فلم يكتمل المشهد المعاكس لأن لا زال يحيط به رجال الملكة يذكّرونه براهلور ويحاولون حضّه على أفعالهم الدينية «سيسرّهم إحراقي كما يحرقون هذا الحطب والفروع المكسورة. أحدهم حضَّ الملك على هذا تحديدًا بالفعل على مسمع منها، لكن ستانيس رفض» -آشا تفكّر برجال الملكة (رقصة مع التنانين. فصل آشا، غنيمة الملك) وفي نفس الفصل وصفت ضغط رجال الملكة على الملك وقالت عنه «لم يُصغِ إلى رجال الملكة عندما أتوا يناشدونه تقديم قربانٍ لإلههم الأحمر الجائع. قال كلايتون سوجز «القربان سيثبت أن إيماننا ما زال مشتعلًا مخلصًا يا مولاي» وقال جودري قاتل العمالقة «آلهة الشمال أطلقت هذه العاصفة علينا، وحده راهلور يستطيع أن يردعها. يجب أن نعطيه كافرًا» رد ستانيس «نصف جيشي من الكافرين. لن أُحرق أحدًا. أخلصوا أكثر في الصّلاة»» في نفس الفصل نلاحظ قول غريب من الملك عندما قالت له آشا «اجعلني رجلك» قال ستانيس «الآلهة لم تخلقك رجلًا، فكيف أجعلك أنا رجلًا؟» قال الآلهة وليس الإله! هذه الجملة توضّح الكثير من تفكير ستانيس وإيمانه المتذبذب وكيف تتأثّر أقواله وأفعاله بمستوى إيمانه وتطبيق واضح لقوله «إن معرفتي بالآلهة قليلة واكتراثي بها أقل» وكأن شخصية الملك السابقة بدأت تعود من جديد. أكثر من مرّة وُصف جاستن ماسي بعدم مشاركته لحرارة إيمان رجال الملكة لدرجة أنه في أحد المحادثات قال «بحق الآلهة» (رقصة مع التنانين. فصل آشا، القربان) إذا كان جاستن هنا لا يتّسم بتديّن رجال الملكة، فستانيس كذلك. عندما أصبح جيش الملك يحتضر واحتاج إلى قوة راهلور، بدأ يرتفع إيمانه من جديد فيقول عنه كلايتون سوجز في فصل القربان «الملك شبه أعمى من فرط الحملقة إلى النار» فقد كان منعزل في البرج عند النار. في هذا الفصل الكئيب أحرق الملك أربعة من رجال اللورد روبِن بيزبوري، لكن ننوّه أن الحرق لم يكن بداعي الحرق والتضحية فقط، وإنما عقوبة لهم لأكلهم أحد رجال اللورد فِل، فوصفت آشا القرار وقالت «بأمر الملك سيدفع رجال بيزبوري الأربعة ثمن الوليمة بحياتهم... وسينهي إحراقهم العاصفة حسبما يزعم رجال الملكة» فمع ارتفاع إيمان الملك، عاد للإعدام حرقًا للاستفادة من إعدامهم، ومن ناحية أخرى، فحرقهم بمثابة ترضية وتسكيت لرجال الملكة، لكن هذا لا ينفي أنها قسوة، فهناك علاقة طردية بين ارتفاع إيمان الملك وقسوته؛ سابقًا عند ستورمز إند، قال الملك لكورتناي بنروز «أحذّرك تحذيرًا عادلًا، إذا أجبرتني على أخذ القلعة بالقوة، فلا تتوقّع أن تأخذني بك رحمة. سأشنقكم جميعًا كخونة، كلكم بلا استثناء» (صدام الملوك. فصل دافوس الثاني) نلاحظ عندما لم يكن إيمانه مرتفع كما في مواقف أخرى، كان ينوي الإعدام شنقًا، بينما في دراجونستون أعدم آلستر فلورنت حرقًا بعد نهاية صراعه بين دافوس ومليساندرا الذي خرج منه مرتفع الإيمان، وفي الجدار الموقف مزدوج؛ فقد أعدم مانس حرقًا، لكن يوجد شخص جبان قالت عنه مليساندرا بأن الملك أصرّ أن يشنقه، فمن الواضح أن إعدامه لمانس كان جزء بسبب إيمانه المرتفع وجزء بسبب دمه الملكي، والإيمان لم يكن سببًا كاملًا والدليل الرجل الذي كاد أن يشنقه، وفي ربوة الغابة وبعدها في مخيّمه الحالي رأينا إعداماته حسب إيمانه، وهو ما يرفع ويخفض قسوته، حتى أن جون لاحظ اللين بكلامه لمّا قرأ رسالته (الذي وقتها كان منخفض إيمانه وأعدم شنقًا) وقال «سأنقذ أختك إن استطعت. عاطفة رقيقة مدهشة من رجل كستانيس، ولكن يضعفها إتباعها بـ«إن استطعت» القاسية». توضّحت أكثر أسباب ستانيس لعودته للإعدام حرقًا عندما كان ينوي أن يحرق ثيون بعدما جادله كل رجال الملكة بخصوص إعطاءه لراهلور فقالت آشا «فرقة الإله الأحمر يعرفون أغنية واحدة فقط» فردّ الملك «طالما تسرّ الأغنية في أذن الإله فدعيهم يغنّون. رجال اللورد بولتون سيكونون هنا أقرب مما نتمنى وفقط مورس أمبر يقف بيننا، وأخوكِ يخبرني أن مجنّديه جميعهم من الفتية الخضر. الرجال يرغبون أن يعلموا أن إلههم معهم عندما يذهبون للمعركة» (رياح الشتاء. تشويقة ثيون) الجملة الأولى تؤكّد نقطة الاستفادة من راهلور بإعدامهم وارتفاع إيمانه، والجملة الأخيرة تؤكّد نقطة ترضية رجال الملكة وأنهم بحاجة لرفع إيمانهم قبل المعركة، فردّت آشا «ليس جميع رجالك يعبدون نفس الإله» فقال «أنا على علم بهذا» عندها طلبت آشا من ستانيس أن يعدمه بطريقة الشمال فقالت «خذه بالخارج عبر البحيرة إلى الجزيرة حيث تنمو الويروود واقطع رأسه بالسيف السحري الذي تحمله. هكذا كان ليفعلها إيدارد ستارك، ثيون قتل أبناء إيدارد ستارك، أعطه لآلهة اللورد إيدارد. آلهة الشمال القديمة. أعطه للشجرة» هذه المحادثة تعيدنا لأصل موضوعنا منذ ذهاب ستانيس للشمال وتحديدًا بعد أخذه ربوة الغابة، وهي صراعه بين رجال الملكة والشماليين، فآشا كأنها تقول بكلامها السابق إنك أرضيت رجال الملكة بالإعدام الذي يريدونه، والآن من حق الشماليين أن ينالوا الإعدام الذي يريدونه لآلهتهم بالطريقة التي كان ليفعلها نيد، للانتقام لمقتل ابنيه أعطِ ثيون لآلهته. أتى هذا الاقتراح في نهاية الفصل وكما هي عادة جورج، في ختام فصوله دائمًا ما تكون الأحداث مفصلية ومهمّة بالقصّة، لذلك كلام آشا لن يمرّ بلا أثر على الملك بغضّ النظر عمّا سيفعله. السؤال: ما الشيء المفصلي بنصيحة آشا والإعدام للآلهة القديمة؟ الجواب: مرحلة جديدة من صراع ستانيس الدّيني!

رياح الشتاء وصراع جديد: اقتربت قصة الملك من الانتهاء، وصراعه الديني اقترب كذلك، لكن قبل أن ينتهي يوجد مرحلة (متوقّع) أن يدخل بها الملك مثيرة للاهتمام. قد تكون المرحلة القادمة من صراعه هي صراعه بين آلهة الشمال وراهلور، يوجد نظريات -لا أعلم من مؤلّفها لأضع حقوقه- لكن ما أذكره من النقاشات حول النظرية وبعض التوقعات تقول إن الملك سيقبل طلب آشا ويعدم ثيون عند شجرة الويروود، خاصةً أن الفكرة ربطتها آشا مع الشمال وهو ما يخشى ستانيس خسارته كما قال «أنا حزين لأمك، لكنني لا أعفو عن حيوات المارقين، خصوصًا هذا، لقد قتل اثنان من أبناء إيدارد ستارك وكل شمالي في خدمتي سيتخلّى عني إذا أظهرت إليه أي رأفة. أخوكِ لابد أن يموت» ستانيس مصرّ على موته ولم يظهر إصرار لحرقه، ونصيحة آشا ثمينة بالنسبة له إذا طبّقها، فبما أن رجال الملكة أخذوا ما أرادوا، فالآن حان وقت الشماليين لـ"يعلموا أن إلههم معهم" كما قال الملك «الرجال يرغبون أن يعلموا أن إلههم معهم عندما يذهبون للمعركة» وبذلك يكسب الملك الفئتين من جيشه ويخرج من صراعه بين رجال الملكة والشماليين بسلام. كذلك جاءته من جانب العاطفة وذكرت والدتها وكيف عانت لمقتل أبنائها، فلا تريد أن يموت ثيون متعذّب «ثيون هو آخر أبناء أمي الأحياء. تحطّمت عندما ماتوا إخوته، وموته سيسحق ما تبقّى منها... لكنني لم أأتِ هنا للالتماس لحياته». ما ذكرته قبل قليل من دوافع ستانيس لقبوله طلب آشا هي دواعم مني للنظرية ولا علاقة لها بالنظرية. نعود للنظرية، لا يهم إن كان فعلًا سيعدمه أم لا، لكن المهم أن يقبل طلب آشا وينوي إعدامه فيأخذ ثيون لشجرة الويروود، وتُستكمل النظرية بتدخّل بران عن طريق تلبّسه (وارغ) بالشجرة، ليمنع الإعدام ويطلب العفو عن ثيون، بمعجزة من الآلهة مثل هذه قد تقنع الشماليين ليعفوا عن ثيون، فبالنهاية قصة ثيون الكثير يتوقّع عدم نهايتها قريبًا ولا زال لديه دور في قادم الأحداث، فهل من طريقة غير هذه تقنع الشماليين أن يتركوه؟ وهو ما يفسّر ترديد أحد الغرابان (بتلبّس من بران) اللذان كانا عند الملك لكلمة «شجرة» حتى قبل أن تدخل آشا عند ستانيس! وكأن بران يريد زرع فكرة الإعدام عند الشجرة في ستانيس ليُسهّل تقبّله لطلب آشا، وقد حدث شيء مشابه لثيون «الليلة بلا ريح، والثلج يسقط عموديًّا من سماء سوداء باردة، لكن أوراق شجرة الويروود تحفّ رغم ذلك، كأنها تهمس له: ثيون، ثيون. وللحظةٍ عجيبة خُيّل إليه أن وجه بران هو المنقوش على جذع الشجرة الشاحب، يرمقه بعينين حمراوين حكيمتين حزينتين» -ثيون (رقصة مع التنانين. فصل ثيون، شبح في وينترفيل). أمّا بالنسبة لستانيس، فلا يهم عفوه من عدمه بقدر أهمية تأثير المعجزة على إيمانه ونفسيته، فمهما بلغ ارتفاع إيمانه براهلور، لا زال أصل ذلك الإيمان ونقطة بدايته هو بسبب رؤيته للقوة التي تتمتع بها هذه الديانة كما قال «إن معرفتي بالآلهة قليلة واكتراثي بها أقل، لكن المرأة الحمراء تتمتّع بالقوة» وهذا السبب (المعجزات) هو ما قد يؤثّر على الملك. فمشكلة ستانيس كانت مع الآلهة السبعة، وبالرغم من أننا رأينا منه أفعال ضد الآلهة القديمة، إلا أننا لم نرى أي محادثة منه يوضّح رأيه أو تعليق عنها، سوى كلامه مع جون «هل عليّ أن أجعلك تحلف يمينًا أمام شجرة؟» (رقصة مع التنانين. فصل جون الرابع». صعب توقّع كيف سيكون الصراع وتأثيره على أفعال ستانيس، لكني متأكد من أنه مثير للاهتمام خاصةً إذا ربطناه مع نظرية "الإنارة الليلية" وكانت الإنارة المستخدمة هي الشجرة، فتكون الأحداث كالتالي: معجزة من الآلهة القديمة < تأثر الملك منها < حرق الشجرة! وينتج عنها اضطراب وشكوك نفسية مؤثرة على مشاعر الملك الدينية. موعودين بصراع لا يقل عن الصراعات السابقة وأفكار مثيرة من جورج إن صحّت النظريات. التوقّعات لمصير الصراع الجديد وكيف ستؤول إليه الأمور صعب كما قلت، وشخصيًّا الأمر مبهم لدي ولا أريد التفصيل الزائد والممل فيه لأن الربط بينه وبين الصراعات التي قبله سيكون ركيك وغير واضح، لكن أحببت التنويه عن احتمالية ظهور مرحلة جديدة للصراع قبل نهايته.

خاتمة: «الآلهة الوحيدة التي يعبدها بحقّ هي الشرف والواجب» -مليساندرا تصف ستانيس (رقصة مع التنانين. فصل مليساندرا). راهلور وأفكار مليساندرا من أكثر الأمور التي أثّرت على الملك وأفعاله، وهي محور أساسي في قصته ولها دور قوي ببناء شخصيته النفسية وتعقيداتها. على الرغم من أن هدف ستانيس الأولي كان استعمال الديانة لصالحه وتنفيذ أهدافه، إلا أنها لم تعد أداة وأثّرت على شخصيته فعلًا خاصةً بعد ارتباطها بواجباته، ورأينا ارتباط وثيق بين مستوى إيمانه وقسوته، حتى المايستر كرِسن لاحظ ووصفه في مقدمة صدام الملوك «لا، هذا ليس أنت، ليس أسلوبك، لقد كنت عادلًا دومًا، صلبًا دومًا لكنّك لم تكن قاسيًا لمجرّد القسوة إطلاقًا» والقسوة تعتبر أحد النتائج السلبية من اعتناقه للدين إضافةً لكل ما ذكرناه، فاعتناقه أشبه بتحويل قلبه إلى حجر... أو إلى نار! «قريبًا يحلّ البرد والليل الذي لا ينتهي. ما لم يجد المخلصون القوة لمحاربتها، هؤلاء الذين قلوبهم نار» -مليساندرا (عاصفة السيوف. فصل دافوس الرابع). لكن بالطّبع التأثير عليه ليس كالتأثير على سيليس ورجال الملكة، فستانيس كالفتى الضائع بينهم وهذا الجميل بكتابته، وبالصراع هذا بالذات، فهو بينهم وليس منهم. لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، مذبذبٌ بينهم إلى أجلٍ ما. خلال الرحلة رأينا ارتفاع ونقصان بإيمانه وقرارات منها الخطأ والصح، وكل صراع له نهاية، وكل تردد ينتهي باتّخاذ قرار، لكن كل القرارات الصغيرة والصراعات المبسّطة داخل الدائرة الكبيرة (الصراع الديني) هي كقطع أحجيةٍ ما، موصّلة لنهاية أكبر لتكتمل التحفة ونرى إلى أي نهاية يسلكها الملك، فطوال الطريق يُنصح من طرفين ويُسحب إلى جهتين... حتى أتاه المفترق، فإمّا ارتفاع الإيمان والهلاك لهذا السبب بتضحيةٍ ما لإنقاذ البشر، وإمّا الكفر ومحاولة قتل مليساندرا وتكون نهايته على يد رجال الملكة، سواءً هذه أو تلك، فنهاية الصراع تعني نهاية الملك. أي طريق سيسلكه الملك ويسبب نهايته؟ الجواب في رياح الشتاء... أو حلم الربيع، إن كانت أحلامنا ربيعية.

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page