top of page

الهوية المزدوجة (٢): آريا/لا أحد

تاريخ التحديث: ١٠ يونيو ٢٠٢٣

المقدمة:

بدأنا سلسلة (الهوية المزدوجة) مع ثيون/ريك، ونعود الآن لاستكمال الجزء الثاني مع آريا/ لا أحد. آريا ستارك، آريا رأس الجزل، آريا وجه الحصان، تعددت ألقابها منذ صغرها، وظهرت بوادر هوياتها المزدوجة. آريا ابنة وينترفيل، بدأتْ بتمهيد بسيط لتلك الصراعات الصغيرة في هويتها، وتلك الازدواجية العجيبة في اهتماماتها؛ لتدخل بعدها باب لا رجعة فيه، وإن رجعت فسترجع بهوية مغايرة، إما ناقصة أو زائدة، أو معًا فهي مهجنة، بابٌ يُفضي لضربات قاسية لأقوى البشر، فكيف إذا تلقتها طفلة ضائعة؟

 

نشأة الحلية:

ازدواجية الهوية ملازم لآريا منذ صغرها، بل منذ وعيها، إذ تعيش بين هواياتها والتزاماتها، بين ما يبعث الحياة بها، وبين ما ألزمتها الحياة به، تحب المبارزة، وتكره الخياطة. تبرع إبرتها في النزال، وتفشل إبرتها في الحياكة، تسعد بالقتال، وكثيرة الجدال، بعيدة عن اللباقة والأناقة، ولا توصف بالجمال. هكذا نشأت بين الأضداد، تصارع ما تكره لِما تحب، ومما تكره تهميش المرأة وضعف دورها:

المرأة مهمَّة كذلك!

تعيش آريا كأنها منفصلة عن عائلتها وإن كانت بينهم، فهي لا تجيد ما تجيده الفتيات عامةً، وليست ولد لتمضي في شغفها بالقتال، لذلك لا تعبأ بأدبيات النبلاء، بل تفعل ما يحلو لها، فإذا أرادت الغياب عن الحياكة غابت، وإن أرادت المغامرة وحدها غامرت، لذلك في الرحلة إلى العاصمة تذهب بعيدًا عن قطيع الركب لتجول وحدها أو مع رفيق جديد تصحبه، والويل لمن يعكر صفو مزاجها ويفسده، فإن مصيره كجوفري عند الثالوث! وفي الرحلة تذوقت آريا قليلًا من الضياع الذي ينتظرها، فكانت تخرج عن القطيع، وضاعت أربعة أيام أثناء هروبها، وفقدت ذئبتها، الذئاب الملازمة لكل فرد من آل ستارك، ويمثلون شخصياتهم، فإن كان جون كئيبًا باردًا، فكذلك ذئبه، وقس على باقي العائلة، ونيميريا كذلك، فهي عنيدة صعبة المراس، وضياعها هو ضياع جزء من آريا.

الرحلة إلى العاصمة خلقت بذور كراهية وضياع في نفس آريا، إذ فقدت ذئبتها، ثم صديقها، فوسمت آل لانستر بما هم عليه، وعرفت حقيقة الحياة مبكرًا على النقيض من سانزا:

لقد كانوا أصدقاءها وكانت تَشعُر بالأمان بينهم، لكنها أدركَت الآن أن كلَّ هذا لم يكن إلا كذبةً كبيرةً. لقد سمحوا للمَلكة بأن تَقتُل ليدي وكان هذا شنيعًا بما يكفي، لكن كلب الصَّيد عثر بَعدها على مايكا. لم يفتح أحدهم فاه بكلمة أو شهرَ سيفه أو أي شيء، لا هاروين الذي كان يتكلَّم بجرأةٍ دائمًا، ولا آلين الذي يرغب في أن يصير فارسًا ذات يوم، ولا چوري قائد الحَرس... ولا حتى أبوها

كل هذه الضغوط التي ألقيت على طفلة، دفعتها للفرار مرة أخرى من القطيع (وليمة الغداء) لتجد الأنس في وحدتها وكأن هذا ما خُلقت له. إلى أن حذرها أبوها، وأخبرها بأهمية ملازمة قطيعها (عائلتها):

عندما تَسقُط الثُّلوج وتهبُّ الرِّيح البيضاء يَنفُق الذِّئب الوحيد بينما ينجو القطيع

فأطاعت، لكن ضياعها محتوم في نفسها. بعد محاولتها -غير المعتادة- للعودة إلى القطيع عن طريق الاعتذار واللباقة، أتاها محارب من خلف البحر ليعلمها القتال، وقال:

تذكَّر يا ولد أننا لا نتعلَّم رقصة وستروس الحديديَّة هنا

حتى في القتال، بعيدة عن قطيع ويستروس؟! قلت لكم، ضياعها محتوم!

ومن أوجه الضياع الذي نشأت به آريا أنها لا تُعرف كسيدة نبيلة، حتى أفراد عائلتها يستنكرون غرابة أطوارها. وعندما قابلت مارسيلا وتومن في أحد أزقة العاصمة لم يتعرفا عليها، وكذلك الحال عندما عادت للقلعة الحمراء، فضحك الحرس عليها وحسبوها شحاذة. في تلبساتها الغريبة ما بين شحاذ وولد وراقصة مياه متسخة، تقمصت رشاقة الغزال وقوة الدب وانسيابية ثعبان الماء، وانزوَت داخل دهاليز العاصمة لتصبح عصفورًا يتنصت. فخاضت تجربة مريبة، كشفت لها أحد أسرار لعبة العروش، وظلت بين جماجم التنانين الوحشية، التي تشبه وجه "الغريب" ومع هذا الرعب وعدت نفسها بألا تخاف، واستذكرت حلمها الفظيع الذي ينبؤها بالظلام:

في بداية مجيئهم إلى كينجز لاندنج كانت تُراوِدها أحلام سيِّئة ترى فيها نفسها وقد ضلَّت سبيلها في طُرقات القلعة. أبوها قال إن القلعة الحمراء أصغر من وينترفل، لكنها كانت ضخمةً حقًّا في أحلامها، متاهةً حَجريَّةً بلا نهايةٍ ذات أسوارٍ تتغيَّر وتتبدَّل طوال الوقت من حولها. كانت تجد نفسها تجوب أروقةً كئيبةً عُلِّقَت فيها ستائر بهتَت رسومها الملوَّنة، تنزل سلالم ملولبةً لا تنتهي، تندفع قاطعةً ساحةً أو جسرًا، تصيح وما من مجيب. في بعض الغُرف كانت الجدران الحَجريَّة الحمراء تنزف دمًا وقد اختفَت نوافذها كلها، وفي أحيانٍ كانت آريا تسمع صوت أبيها وإن كان يأتي خافتًا دومًا ومن على مسافةٍ كبيرة، ومهما ركضَت نحوه بمنتهى سرعتها كان الصَّوت يخفت ويخفت إلى أن يتلاشى تمامًا وتبقى آريا وحدها في الظُّلمات.

لكنها خافت عندما اقترب الظلام فعلًا، وقدحت شرارات الحرب بعد حبس أبيها، وها هي تهرب منه، فتلقى بين كل بناءٍ وبيت، قتيلًا هنا وهناك، وهي تهرب متملصة من الموتى والقتال، حتى أتاها صبي ليجرها، فقتلته. آريا في عمر تسع سنوات قتلت ضحيتها الأولى، وقد هالها المنظر، وارتجفت رعبًا، وهي ترى الدماء تتدفق منه، وروحه تزهق بسببها، لكنها في مهمةٍ للهرب ولا وقت للتفكير في هذا الصبي. وهي تمضي قدمًا تظل صورة هذا الصبي برأسها، والحقيقة أنها لم تكن خائفة من أحد، بل خائفة بأن يعود لها الصبي، ولكن ضربة الخوف أمضى من السيف، فتغلبت على خوفها، وألِفت "الوحوش". هكذا في غمضة عين، استطاعت آريا أن تتحول من الخوف من القتل إلى الاعتياد عليه، وتوغلت في الظلام أكثر:

وردَّدت خطوات قدمي آريا صدىً خفيضًا سبقَها وهي تتوغَّل أكثر في الظُّلمات

بعد تنقلاتها من هوية لأخرى ومن قاتل لمطارد، اطمأنت قليلًا في جحر البراغيث، فها هي تعود لمنظر العوام والطبقة الدنيا وكأنه مناسب لها. كل هذه التمهيدات مناسبة الآن لإقفال الفصل الأول من رحلتها، وما بقي إلا الصدمة التي ستحرفها عن مسارها، أو على الأقل ستكون الدافع الأول لانحرافها، وقد أتت الصدمة عندما رأت بأم عينيها أباها الشريف يعترف بخيانته، ليبعث بصدرها كل أنواع التساؤلات والخوف والحزن معًا، ثم يُعدم لجريمته، ليُختم فصلها بالدم. لكن دائمًا وأبدًا ستظل آريا ستارك في ذاتها، إذ يصدح صوت أبيها ويقول

علَّمها اللورد إدارد ألا تسرق أبدًا.

ويزاحمه صوت مدربها

تطلَّعت إلى الرَّجل متذكِّرةً ما علَّمها سيريو إياه عن الرُّؤية.

لتنطلق بعد هذي التعددات رحلة تجرها من عائلتها إلى انغماسها في الظلمات، ابتداءًا بتعدد وجوهها وهوياتها.

 

عديدة الوجوه:

أصبحت آريا بين رعب وأهوال، وقتل ومطاردة. تهرب لتنجو من عواقب ما رأته وخاضته. نزعت هوية آريا، لتلبس آري، ونبذت الفتاة لتتقمص الولد، كل هذا محاولة للرجوع إلى ما كانت عليه، إلى أهلها وأخوها جون:

عندما غابَت في النَّوم أخيرًا حلمَت بالوطن. طريق الملوك يمرُّ بوينترفل قبل أن ينتهي بـ «الجِدار»، ويورن وعدَها بأنه سيَترُكها هناك دون أن يملك أحدٌ أيَّ فكرةٍ عن هويَّتها. إنها تشتاق لرؤية أمِّها من جديد، وروب وبران وريكون... لكن چون سنو كان أكثر من فكَّرت فيه، وتمنَّت لو أمكنَ بشكلٍ ما أن يَبلُغوا «الجِدار» قبل وينترفل، كي ينفش چون شَعرها ويُناديها بـ«أختي الصَّغيرة». كانت لتقول له إنه أوحشَها، وكان ليقول في اللَّحظة ذاتها إنها أوحشَته أيضًا، كعادتهما الدَّائمة في قول الأشياء في آنٍ معًا. لكم تمنَّت أن يَحدُث هذا، لكم تمنَّت أن يَحدُث أكثر من أيِّ شيءٍ آخَر.

لكن الحقيقة أن المحاولة هذه تزيدها بعدًا، وكل ما عاشت هوية مزيفة خبت بداخلها هويتها الحقيقية. ومن جهة أخرى فهذه النشأة تطاردها بصحوها ونومها، فقد وسمت وسمًا لا محو بعده.

تمر بقبور الضحايا أثناء عودتها، وعلى الناحية الأخرى ذئبتها تقتل الضحايا. ورغم الاستعارات المتتالية للهويات، ما يزال صوت أبيها يبقي بداخلها هويتها الذئبية

أخذَت آريا رشفاتٍ قصيرة من دورقها وهي تلتهم الفطير السَّاخن، متذكِّرةً أن أباها كان يسمح لهم أحيانًا بشُرب كوبٍ من البيرة.

وما إن بدت هويتها الذئبية حتى توارت عندما التمستها هوية من خلف البحر الضيق، تذكرها بسيريو على نحوٍ ما، وفي الوقت نفسه أتى حرس كينجزلاندنج لاستعادة جيندري فأظهرت نفسها على نحوٍ مغاير وغريب، ومضحك وأيقوني بعض الشيء

صرخَت غاضبةً: «لستُ بنتًا!».

إذ أنها دائمًا ما ترد على من يعتقدون أنها فتى بأنها بنت، وانعكست الآية الآن، يا لازدواجية هوياتها!

ثم إنها تشرب شرابًا بطعم الجثث، وتسمع حديثًا من الموتى

ماتَت المرأة بَعد غروب الشَّمس، فحفرَ لها جندري وكتچاك قبرًا على جانب تَلٍّ تحت صفصافةٍ باكية، وعندما هبَّت الرِّيح خُيِّلَ لآريا أنها تسمع الأغصان الطَّويلة الممتدَّة تهمس: أرجوك، أرجوك، أرجوك، فانتصبَت الشُّعيرات القصيرة على مؤخِّرة عُنقها، وكادَت تعدو مبتعدةً عن القبر.

وتتردد عليها هويتها الذئبية

خرجَ أحدها من تحت الأشجار، وحدَّق فيها كاشفًا عن أسنانه، وكلُّ ما استطاعَت التَّفكير فيه أنها كانت غبيَّةً حقًّا، وكم سيتبجَّح هوت پاي عندما يجدون جثَّتها نِصف المأكولة في الصَّباح التَّالي. غير أن الذِّئب استدارَ وجرى غائبًا في الظَّلام، وسرعان ما غابَت بقيَّة الأعيُن بدورها.

وتستشعر قدراتها الوارغية

اوحاولَت آريا أن تنام حقًّا، غير أنها ظلَّت تسمع الذِّئاب تعوي وقد تمدَّدت تحت غطائها الرَّقيق... وصوتًا آخَر خافتًا، ليس أكثر من همسةٍ في الرِّيح، لعلَّه كان صراخًا.

ومع اقتراب آريا للوطن كما تعتقد، يزداد الأمل بعين العاطفة، فتأتيها أفكار وردية ليست من طبعها

هذا ما يفعله الفُرسان، يُحافِظون على سلامة النَّاس، بالذَّات النِّساء

فقد اعتدنا مثل هذه الخواطر من سانزا وليس آريا، لكن تفسيري بأن الأمل وهدف العودة يحيي بآريا شيئًا من الإيجابية والرحمة، فقد شاهدناها تصر على إنقاذ الطفلة الصغيرة والمجرمين الثلاثة في العربة، لكن أملها هنا ما لبث إلا أن خالط مناوشة وقتال عندما داهمهم أموري لورك، فالقتل يشدها من جهة، واشتياقها للوطن يشدها لجهة أخرى، وفي نفس الوقت، فإن اهتياج هذه المشاعر صاحبها ذكريات هويتها الأصلية، فاستذكرتها بمرارة وكأنها حياة أخرى بعيدة منفصلة عما هي عليه الآن، وهذا يثبت ازدواجية الهوية المستمر معها وهو أساس موضوعنا

تذكَّرت آريا فجأةً الصَّباح الذي ألقَت فيه البرتقالة في وجه سانزا، فسالَ العصير على فُستانها الحريري السَّخيف عاجي اللَّون. كان هناك لورد صغير ما في دورة المباريات بالفعل، ووقعَت صديقة أختها البلهاء چين في غرامه. على تُرسه كان لسان البرق، وقد أرسلَه أبوها ليقطع عُنق أخي كلب الصَّيد. كأن ألف عامٍ مرَّت منذ ذلك اليوم، كأنه شيء حدثَ لشخصٍ آخَر في حياةٍ أخرى... لآريا ستارك ابنة يد الملك، وليس آري الصَّبي اليتيم، فأنَّى لآري أن يكون على درايةٍ باللوردات وما إلى ذلك؟

وكل هذه الضغوط على طفلة لم تبلغ العاشرة! داهمتها المعركة في وسط أملها، فاضطرب عقلها مما ترى وتتمنى، فانفجرت باكية.

ثم إنها هربت من الموت لتلقى الموت في كل مكان، فأراضي النهر اشتعلت كما أمر اللورد تايون. أصبحت صعلوكًا متجولًا، يقتات على الحشرات والديدان، وينام بين الفروع والأشجار. أثناء التجول ومحاولة البقاء، التقت بغريم الذئب التقليدي، الكلب بنباحه يواجه الذئب بعوائه، فبعد أن رفضت محاكاة الكلاب واستحقرتهم:

«وإذا احتجتِ نجدةً، انبحي كالكلاب» «هذا سُخف. إذا احتجتُ نجدةً، سأصيحُ: النَّجدة!».

ها هي تقبض من أحد الكلاب، الكلب الأكبر، أسرها الجبل بعد أن أخذ إبرتها، الشيء الملموس الوحيد الذي يحافظ على هويتها، ويبعث بها القوة، وقد آلمها انتزاعها:

لقد أخذوا "الإبرة". ما في هذا من عارٍ آلمَها أكثر من الألم نفسه، والألم كان بالغًا حقًّا. چون أعطاها هذا السَّيف، وسيريو علَّمها كيف تستعمله.

ثم اختتمت رحلة هروبها بمقتل مرافقها لومي.

لتسقط بعدها في أسر الخوف، فترى الأهوال والتعذيب، والرعب والتنكيل، فتتولد قائمتها وهي تستذكر بمقت كل من آذاها:

في كلِّ ليلةٍ تُرَدِّد آريا الأسماء، تهمسها لوسادتها الحجريَّة: «السير جريجور، دانسن، پوليڤر، تشيزويك، راف المعسول، المُدغدِغ وكلب الصَّيد، السير آموري، السير إلين، السير مرين، الملك چوفري، الملكة سرسي». في وينترفل كانت تُصَلِّي مع أمِّها في السِّپت ومع أبيها في أيكة الآلهة، لكن على الطريق إلى هارنهال، كانت قائمة الأسماء الصَّلاة الوحيدة التي أرادَت أن تتذكَّرها.

وهنا مفارقة مثيرة حول الأسماء، فآريا حريصة على حفظ أسماء من تريد قتله لكي لا تنساه امتثالًا لوصية نيد:

إذا سمحَت لنفسها بأن تنسى واحدًا فقط من تلك الأسماء، فكيف ستَعثُر على صاحِبه ذات يومٍ وتَقتُله.

وفي نفس الوقت لا تريد معرفة أسماء العوام خشية ألمها لموتهم:

أمَّا من تخدم معهم فلم تَشعُر برغبةٍ في معرفة أسمائهم حتى، الشَّيء الذي يُصيبها بألمٍ أكبر حينما يموت أحدهم.

ثم استقرت بهارنهال لتنزع لباس آري الملطخ بهروبها المرعب، وتلبس بنت عرس لتسكن موطن الأشباح، وتصبح شبحًا يجول بالقلعة فتقتنص من بقائمتها وتشطبهم:

أنا الشَّبح الذي يَسكُن هارنهال.

جموح الذئب الذي بآريا يظهر على فترات كلما بدت هويتها الذئبية:

كانت قد رجعَت ذئبةً من جديدٍ مدَّة هنيهة، لكن صفعة ويز عادَت تستلبها هذا الإحساس، ولم تَترُك لها غير مذاق دمائها في فمها، إذ عضَّت لسانها عندما صفعَها، وكرهَته لهذا.

فهي شديدة الغضب سريعة الحكم، واندفعت لتنتقم من مسائلها الشخصية متناسية أمور الحرب المهمة. إلى درجة أن خطر ببالها قتل هوت باي لمجرد احتمالية معرفته باسمها!

إنها لم تجرؤ على إخبار هوت پاي بهويَّتها الحقيقيَّة. ربما عليَّ أن أقول اسمه لچاڬن.

لكن جموحها يتفاوت، فينخفض ويرتفع حسب قوة هويتها الذئبية، إضافةً لتربية إيدارد واستذكارها له لموازنة الكفة كما ذكرنا سلفًا.

 بعد أن استنفدت قتلاتها وبقيت القتلة الأخيرة، اقترب لباسها الأخير من البلاء، لترتدي غيره أو تعود لسابقه، فخالجها التردد والخوف، بين الرغبة بالانتقام وقتل من تريد، وبين التمسك بهذه القوة لتستمد منها الشجاعة وألا تعود فأرًا لا قوة له. بين الشبح والفأر، كانت آريا تتردد بقتلتها الأخيرة، إلى أن برق الذئب الذي بداخلها، وعادت هويتها الشمالية، فصلت لآلهة أبيها ثم حررت الأسرى لتمهد عودتها، وساعدت بارتفاع راية الذئب الرهيب فوق هارنهال، لكنها لم تعد ذلك الشبح خاطف الأرواح، لذلك نزعت لباسها الملطخ بالدماء، وانتقت لبسًا جديدًا:

عضَّت شفتها باحثةً عن اسمٍ آخَر. لومي سمَّاها رأس الجِزَل، وسانزا سمَّتها وجه الحصان، ورجال أبيها لقَّبوها بآريا المُداسة، لكنها لا تحسب أن أيًّا من هذه الأسماء سيُرضيه. هكذا قالت: «نايميريا»

 واستمرت نايميريا تخدم في هذا التقمص الجديد وهي تحوم حول الأموات المشنوقين، إلى أن انتفض الذئب الذي بداخلها إثر الصاعقة التي سمعتها عن قتل أخويها بران وريكون، وبقدر ما استفاقت، ضلت هويتها بدوامة في نفسها وهي تتساءل:

إذا ضاعَت وينترفل حقًّا، فهل هذه داري الآن؟ أما زلتُ آريا أم أني سأبقى نان الخادمة إلى الأبد وإلى الأبد وإلى الأبد؟

ومن ثم نادتها الذئاب وهي في أيكة الآلهة إذ اخترق عواؤها جدران هارنهال السميكة، وكما انتشلت "آلهة" الشمال ثيون من ريك، الآن تنتشل آريا من هوياتها الوهمية:

من مكانٍ ما بعيد للغاية، وراء أيكة الآلهة والأبراج المسكونة وأسوار هارنهال الهائلة، من بُقعةٍ قصيَّةٍ ما في العالم، سمعَت عُواء ذئبٍ طويلًا شجيًّا، فزحفَت القشعريرة على جِلد آريا وأحسَّت بالدُّوار لحظةً، ثم بمنتهى الخفوت خُيِّلَ لها أنها تسمع صوت أبيها يقول: «عندما تَسقُط الثُّلوج وتهبُّ الرِّيح البيضاء، يَنفُق الذِّئب الوحيد بينما ينجو القطيع»

لتعدّل بوصلتها من وينترفيل لريفررن، فعزمت أمرها ثم هربت، بعد أن قتلت حارس البوابة غير آبهة به، وأملت بأن يغسل المطر دماء يديها، وكأن شيئًا لم يكن! بل إن دماء ضحاياها سيجرفها عبر البحر الضيق عند الإله عديد الوجوه:

لعلَّ الأموات يستطيعون مخاطَبتها بلُغةٍ سرِّيَّةٍ ما لا يعيها الأحياء.

 

محاولة العودة:

بدأت آريا بالعودة لانتزاع نفسها من هوياتها المضطربة وهي تمر بين الموتى مختلسة لا تأبه بهم كأنها واحدة منهم بعد كل ما مرت به:

فيما بَعد مَرُّوا من قريةٍ محترقة، شاقِّين طريقهم بحرصٍ بالغ بين أطلال الأكواخ المسودَّة وجثامين دستةٍ من الرِّجال المشنوقين على صَفٍّ من أشجار التُّفَّاح. ثم إنها مدَّت يدها واقتطفَت تُفَّاحةً من بين الموتى وهي تمرُّ أسفلهم، تُفَّاحةً طريَّةً ناضجةً أكثر من اللَّازم، لكنها التهمَتها ببذورها ودودها.

وهي تمضي للعودة اتضحت أكثر معالم هويتها الذئبية المخبأة وأزاحت أوحال الأوهام من عليها قليلًا:

في الحُلم لم تكن فتاةً صغيرةً، بل ذئبة، ذئبة قويَّة ضخمة.

لكن لتنظيف النفس من الأوحال، لابد من اتساخ اليدين، وهكذا كانت تحاول العودة عن طريق الابتعاد، تتوه بالطرقات، وفي مجموعتها الصغيرة تلعب دور القاتل:

«سأختبئُ عند الشَّجرة. إنه بمفرده غالبًا، وإذا أزعجَني سأقتله».

لذلك يقول توم أبي السبعات:

الحرب تصنع لصوصًا من شُرفاءٍ كُثر.

ليس لصوصًا فقط يا توم، بل أوهام، وهويات زائفة، وضياع أطفال. حتى بعد ملاقاة هاروين وعودتها لهويتها الحقيقية ما زالت تتلمس الطرقات، وتتساءل: هل فعلًا أنا آريا؟

مرَّت وهلة دون أن تعرف كيف تُجيب. لقد حملَت أسماء كثيرةً للغاية، فهل كانت آريا ستارك محض أضغاث أحلام؟

طال الطريق، وكثر الهروب، وتراكمت الأهوال، حتى أنها لم تعد مقتنعة من حقيقة ما تصبو إليه، إلى أي بؤس وصلت إليه هذه الفتاة؟

وفي خضم العودة، عندما لبست فستان ابنة الليدي سمولوود، عاد إليها لمحة من صراعها الأولي، والمفارقة بينها وبين بقية الفتيات، وهنا نلمح لمحة من مستقبل آريا السوداوي عندما تحدثت عن هوايتها المفضلة وقالت: أشغال الإبرة. بالطبع تقصد آريا سيفها الإبرة، لكن الليدي سمولوود بعفوية قالت أن أي عمل يمكن أن يكون خدمة للآلهة، وعلى آريا تذكر هذا عندما تشغل الإبرة، لكن أي آلهة تقصد؟ أو بشكل أدق: أي إله؟

وكأن تأثير جاكن هاجار يصل إليها من خلف البحر الضيق، فنراها في أحد القرى تهدي هدية الموت بطريقة غير مباشرة إذ تسقي الأسرى قبل أن يقتلهم آنجاي ثم تردد:

وقالت آريا في قرارة نفسها: ڤالار مورجولِس.

كلما عادت واقتربت لأهلها، تساقطت أوحال هوياتها الوهمية كما تذوب ثلوج الصيف عن الحجارة، ليظهر تحتها صراعها الأولي كما ظهر مع الليدي سمولوود، وحدث مع اللورد بيريك كذلك عندما أعربت عن احتمال رفض روب لفديها:

«لأن شَعري منفوش وأظفاري متَّسخة وقدمَيْ يابستان». غالبًا لن يُبالي روب بهذا، لكن أمَّها ستفعل. لطالما أرادَتها الليدي كاتلين أن تكون مِثل سانزا، أن تُغَنِّي وتَرقُص وتحيك وتحرص على الكياسة. مجرَّد التَّفكير في هذا جعلَ آريا تُحاوِل تصفيف شَعرها بأصابعها، فوجدَته متشابكًا ملبَّدًا، ولم تُفلِح إلَّا في تمزيق القليل من خُصلاته.

لا تستذكر إلا مساوءها رغم اقتراب الفرج منها، فالخواطر الطبيعية لأي شخص اقترب من فرجه هو التفكير بالراحة والنعيم المقبل عليه، لكن آريا مختلفة، وهذا يعطيك طابع لرؤية آريا التشاؤمية للحياة، وانعدام نظرتها الوردية التي كانت في صدام الملوك تمامًا.

بالإضافة لذلك تراها شبح التل العالي بنظرة مشابهة، نظرة شؤم وسواد، إلى درجة اشتمام رائحة الجثث تفوح منها! فعلى يدي آريا دماء لم تغسل وما زالت تستذكرها، والقادم أكثر وأشد!

لكن كل هذا على وشك الزوال، وها هي تعود لوطنها – أشبه بوطنها – عند معسكر الشماليين في التوأمتين، رغم أمان المكان إلا أنها متوجسة، وقلقة، هل بسبب الحلم الذي راودها؟ أم استمرار النظرة التشاؤمية لآريا؟

فكَّرت آريا: أكادُ أصلُ. تعلم أن من المفترَض أن تكون متحمِّسةً، لكن معدتها مضطربة تمامًا. ربما تكون الحُمَّى التي لا تزال تُقاوِمها السَّبب، وربما لا. ليلة أمس رأت حُلمًا سيِّئًا، حُلمًا شنيعًا لا تَذكُره الآن، لكن الإحساس الذي خلَّفه في نفسها ظَلَّ يُرافِقها طيلة اليوم، بل وصارَ أقوى أيضًا.

وكانت نظرتها في محلها، كل ما مرت به، وكل الهويات التي تلبستها للنجاة والعودة لوطنها، عادت فقط لتشهد مذبحة أهلها ونهايتها، فخُلقت فجوة بها لن تنسد أبدًا:

كلما استيقظَت صباحًا أحسَّت بالفجوة التي في داخلها. ليس ما تَشعُر به جوعًا -مع أنه كذلك أحيانًا- وإنما خواء، فراغ في الموضع الذي كان قلبها يحتلُّه، قلبها الذي سكنَه إخوتها وأبواها. وحين تَخلُد آريا إلى النَّوم تقول لنفسها: الفجوة لن تنسدَّ أبدًا.

وأصبحت ضائعة في الفضاء بلا أي هوية:

إنها ليست ابنة أحدٍ الآن، إنها لا أحد، ليست آريا وليست بنت عرس أو نان أو آري أو الكتكوت، ولا رأس الجِزَل. إنها مجرَّد فتاةٍ ترتحل مع كلبٍ بالنَّهار وتَحلُم بالذِّئاب ليلًا.

وقد أصبحت غريبة على ويستروس لأن لا مكان فيها:

بين الحين والحين في أثناء تجوالهما يلمحان أناسًا آخَرين. لم تُواتِها رغبة في الكلام معهم، كأنهم يعيشون في أرضٍ بعيدة غريبة ويتكلَّمون لُغةً أجنبيَّةً تجهلها، لا علاقة لها بهم ولا علاقة لهم بها.

 تحوم بلا قطيع أو عائلة، تعيش من أجل الانتقام فقط، أشبه بكلب الصيد، فأكملت رحلة شطبها لقائمتها مع بوليفر والمدغدغ، بل زادت على قائمتها فتى، واكتست يديها بالدماء وتوغلت بهذا الطريق حتى لم يعد القتل يؤثر عليها وأصبح كأنه اعتيادي:

نِصف دستة من أهالي (الملَّاحات) كانوا منشغلين بأمورهم حولهما، فعرفَت آريا أنها لا تستطيع أن تَقتُل المرأة.

وهنا تتجلى مرحلة الخواء التي تعيشها الآن، الفيصل بين كل رحلتها السابقة، وهويتها القادمة، ما سبق من تمهيد كان لنزع هويتها الذئبية وإلبساها هوية القاتلة، ومن زاوية أخرى تستطيع أن تقول تعزيز لهويتها الذئبية الجامحة، لأن الذئاب قاتلة! في كلتا الحالتين الآن هي في مرحلة الفراغ وعدم الإحساس، وجاهزة لتقمص أي هوية، جاهزة لأن تكون أي أحد ولا أحد! 

 

لا أحد:

نائية عن الأهل وبعيدة عن الوطن، انحرفت آريا عن مسارها وتخلت عن آمالها السابقة، ألقت كل شيء خلف ظهرها فلم يعد لها مكان في ويستروس، وكأن غربة الأهل لا تكفي، فتغربت عن وطنها وكل ما يؤدي إليه. أبحرت "الملحة" مستعيرةً اسمًا جديدًا كما يستعير أحدهم رداءً، تمضي في وجهتها لا تعلم ما بغيتها:

الحقيقة أن آريا لا تدري ماذا تتمنَّى، تمامًا مِثلما لا تدري ما ينتظرها هناك تحت ذلك الضَّوء البعيد.

تلك الهوة في صدرها التي خلفتها الأهوال، أشعرتها بالجوع، ودفعتها للحياة، لتشبع رغبتها الحثيثة بالانتقام:

«أأنتِ جائعة أيتها الصَّغيرة؟» أجابَت في أعماقها: نعم، لكنه ليس جوعًا للطَّعام.

فاتخذت الموت سبيلا، ها هي الآن، بعد كل محاولاتها، استسلمت لهويتها الجديدة... ولكن هذا الطريق كمن يروي ظمأه بالشرب من البحر، لا يزيده إلا عطشًا، فالانتقام لن يسد الفجوة، بل سيهوّن القتل والموت.

وكأنها تعرف طرق الموت من قبل التتلمذ على يد أشهر مغتالي العالم، وأول شيء فعلته بعد دخولها دار الأبيض والأسود، مساعدة أحدهم لنيل الهدية كما يسمونها.

 لكن هويتها الجديدة ليس كسابقاتها، لا تستطيع لبسها ونزعها متى أرادت:

تلعبين دور الخادمة، لكنكِ ما زلتِ ابنة لورد في قلبكِ. لقد حملتِ أسماءً أخرى، لكنكِ وضعتِها على نفسكِ بالاستخفاف نفسه كما لو أنكِ تضعين فُستانًا، وتحتها ظلَّت آريا موجودةً دائمًا.

بل هوية تنزع هويتها الأصلية من جذورها، وإن كانت آريا تحاول إخفاءها في أعماقها، ومن هنا اتخذ صراع هوياتها منحنًى جديدًا، فتارةً يظل إيمانها بحقيقتها:

تُجيب: «لا أحد». تقولها تلك التي كانت آريا سليلة عائلة ستارك، آريا المُداسة، آريا وجه الحصان، والتي كانت أيضًا آري وبنت عرس والكتكوت ومِلحة، وكانت نان السَّاقية، فأرًا رماديًّا، نعجةً، شبح (هارنهال)... لكن ليس حقًّا، ليس في أعماق أعماقها. هناك هي آريا ابنة (وينترفل)، وليدة اللورد إدارد ستارك والليدي كاتلين، التي كان لها في الماضي إخوة يُسَمُّون روب وبران وريكون، وأخت اسمها سانزا، وذئبة رهيبة اسمها نايميريا، وأخ غير شقيق اسمه چون سنو. هناك في الدَّاخل هي شخص ما.

وتارةً تقول أنها لا أحد وتريد الخلاص من آلام الماضي:

ستُصبِح لا أحد ما دامَ هذا ما يتطلَّبه الأمر. إذا كانت لا أحد فلن تكون في داخلها فجوة.

وهي بين تلك الفكرتين تعيش هذه المرحلة من الصراع، بين شدٍّ وجذب، وبين صدقٍ وكذب.

فنراها تقاوم خواطر آريا:

لا يَجدُر بي أن أحلم أحلام الذِّئاب. إنني الآن قطَّة لا ذئبة، قطَّة القنوات. أحلام الذِّئاب تنتمي إلى آريا سليلة عائلة ستارك، ولكن على الرغم من كلِّ محاوَلاتها ما زالَت لا تستطيع تخليص نفسها من آريا.

خاصة مع توارد أحلام الذئاب، وأحيانًا تزل وتستذكر حياة آريا:

سيدة الوادي أخت أمها. لا يعني الأمر لي شيئا. قطة القنوات لم تكن لها خالة قط.

وكأن شخصيتها انقسمت لهاتين الهويتين، فهي تخدم عديدي الوجوه، وآريا متخفية داخلها تظهر بين حين وآخر، إلى أن قتلت آريا المتهرب من حرس الليل، فوشت عليها قطة القنوات، وكأنها شخص آخر لا تشاركها أفكارها، فعوقبت بالعمى، وفوق عمى السبيل، تصاب بعمى الكليل.

وما تزال تتناوب عليها الهويات الزائفة بعد عماها، وأصبحت متوغلة في الظلام ومحاطة بالموتى:

في أكثر الأيام تقضي مع الموتى وقتًا أطول من الأحياء

وتتوالى عليها أحلام الذئاب مصرةً على حفظ هويتها الضائعة، ووسط ظلامها لمع نور انتشلها من العمى، فتحت عينيها وتلبست قطة، مستعينةً بقواها القديمة التي لم يستطيعوا سلبها إياها، فاستعادت بصرها. ومن الجدير بالذكر أن آريا تعلمت البرافوسية وطلب منها تعلم عدة لغات أخرى، ولا يخفى عليكم التأثير اللغوي على هوية الفرد وفكره، لكن كعادة جورج لم يركز كثيرًا على أبعاد التأثيرات اللغوية.

بعد كل هذه التقلبات قُبلت بين القتلة وأصبحت واحدة منهم بعد نجاحها بأولى مهامها، لكن ما زال صوت انتقامها القديم يهمس بداخلها ويملي عليها قائمتها، حتى أنها عادت من جديد لتشطب على أسمائها.

 

تعددت الوجوه وآريا واحدة:

انتهت الكتب مع نهاية تحول آريا، والجرو الذي كان يقتل أراذل القوم أصبح ذئبًا متوحشًا مصممًا على تصفية حسابات الماضي، حتى أن جورج قال في الكتاب القادم ستشهد آريا أول نزيف قمري لها. أصبحت امرأة ناضجة، بلا شك بالإضافة لكل المنعطفات التي وقفنا عليها. سوف تواجه صعوبات أثناء رحلة العودة لويستروس، وسوف نرى مزيج بين سحر عديدي الوجوه وسحر أطفال الغابة (الوورغ) بل سنشهد صدام بينهما، أثناء ملاحقتهم لها، لا سيما أن آريا تفوقت عليهم وقت تدريبها ونجحت بخداعهم، لكن لا أظنها تصمد أمام أشهر مغتالين في العالم، وأرى لمصيرها احتمالين لا ثالث لهما:


أولًا: فالار مورجوليس. لا أظن عديمي الوجوه سيلبثون مكتوفي الأيدي، والتلميحات على موتها كثيرة، أذكر منها قول جون مازحًا في أولى فصولها

عندما تذوب الثلوج في الربيع سيجدون جثتك والإبرة ما زالت متجمدة بين أصابعك.

ومصيرها بالمسلسل ليس بعيدًا، فرحلتها غرب ويستروس أراها كناية عن موتها، خاصة أن كل من ذهب هناك لم يعد قط. وأضف لذلك أن لن يكون بنهاية نفق الانتقام نور تستعيد بها حياتها، بل تتوغل من ظلمة لظلمة، ونستذكر أنها شعرت بالبرود والتبلد بعد مقتل جوفري الذي يتصدر قائمتها، فحتى لو أنهت قائمتها، لن تعود كما كانت، وستظل فجوتها دائمة، كالذئب الذي لا يشبع، وهذا يأخذنا للاحتمال الثاني.


ثانيًا: قد تعيش بطريقة شاعرية، وتنتقل لذئبتها بعد مفارقة جسدها. كثيرًا ما لمح جورج عن إمكانيتها وخطرها على أبناء آل ستارك، بل رأينا فاريمير عاشها بعد مقتله، وهي حياة مناسبة لآريا، تلك الذئبة التي تحوم أراضي النهر لرهبة أعدائها

أحيانًا لا تجد لديها رغبةً في الاستيقاظ على الإطلاق، فتربض تحت معطفها وتغلق عينيها بشدة وتحاول أن تجبر نفسها على العودة إلى النوم. لو يدعها كلب الصيد وشأنها ستنام طيلة الليل وطيلة النهار.

لكنه نوم من نوع آخر، ألا يذكركم بشيء؟

ليس العثور على الموتى عسيرًا أبدًا. إنهم يأتون (دار الأبيض والأسود) ويُصَلُّون ساعةً أو يومًا أو عامًا، ثم يشربون الماء الدَّاكن الحُلو من البِركة، ويتمدَّدون على فِراشٍ من حجر وراء إلهٍ أو آخَر، ويُغلِقون أعيُنهم وينامون ولا يستيقظون بَعدها أبدًا.

 

خاتمة:

منذ مقتل اللورد إيدارد وآريا تائهة تحاول العودة لقطيعها، بل حتى من قبله وهي تعيش في معايير مزدوجة، فضلّت طريق العودة وتلبست هويات عديدة حتى كادت تنسى هويتها الأصلية، ومثلما صحبتها هويتها الحقيقية مع هوياتها الزائفة، سيبقى جزء من هوياتها السابقة مع هويتها الأصلية بعد استعادتها، وعندها تكتمل تحفة الذئب الذي نجى بعيدًا عن قطيعه، وقُتل بعد التمامه، ليكمل حياته البرية مع ذئابه.


أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page