top of page

هل قتلت ثورة روبرت أبناءها ؟

تاريخ التحديث: ٢٢ أبريل ٢٠٢١

أن القارئ لأغنية الجليد والنار لابد من أن يرى بين أحداثها وطياتها الكثير من الأحداث المقتبسة من التاريخ الواقعي بل أني اذهب إلى أبعد من ذلك فأرى علاقةً طردية بين فهم القارئ لفلسفة التاريخ وبين فهمه لعالم الجليد والنار (وليس الأغنية فقط) ومن أبرز مايتكرر في تاريخ الأمم "الثورة" على السلطة الظالمة خصوصاً في العصور الوسطى وكذلك في العصور الحديثة وتحديداً في القرنين الثامن والتاسع عشر بعد أن اندلعت ثورات عدة في أوروبا على رأسها الثورة الفرنسية 1789-1799 ولا يخلو تاريخنا الأسلامي من ذلك وأبرز مثال على الثورات القديمة والتي أنتقلت فيها الخلافة من أسرة إلى أخرى،ثورة بني العباس على أبناء عمومتهم بني أمية فكيف اقتبس جورج من هذه الثورات الخطوط العريضة لثورة الغاصب روبرت براثيون. لماذا قامت الثورة؟

قد يرى البعض أن ثورة روبرت قامت بسبب خطف خطيبته ليانا من قبل ولي العهد ريجار تارجيريان والحقيقة أنهُ وإن كانت تلك الحماقة هي شرارة الثورة إلا أن إنها كانت باكورة العديد من الحماقات التي قام بها قبله أبوه الملك المجنون ايريس تارجيريان،وبعد حادثة الخطف بدلاً من أن يحاول إحتواء الشماليين وتهدئة الأوضاع والنفوس زاد الملك المجنون الطين بله عندما أحرق لورد الشمال (أكبر الممالك السبع) ريكارد ستارك امام وريثه براندون ستارك ليموت الأخير مختنقاً بالدخان في محاولته البائسة لأنقاذ والده ليجعل الشمال حينها أمام إلزامية الثورة فعائلة سيدهم بين ميت ومخطوف،وهذه أول قاعدة سار على نهجها جورج فبناءً على الثورات التي حدثت بالتاريخ فتراكم القرارات الغير حكيمة من السلطة و عدم حفظ قيمة وقدر أصحاب القوة هي الأمور التي تؤدي إلى الثورة والتمرد غالباً. من المتضرر ومن المستفيد من الثورة؟ لعل هذا أكثر الأمور حزناً وتراجيديةً بالثورة فهي كما قال الثائر الفرنسي جورج جاك دانتون وهو أمام مقصلة الإعدام " أن الثورة تأكل أبنائها ". وجورج كعادته لم يغفل عن أمر مهم مثل هذا فمن أكثر من تضرر من ثورة روبرت والأحداث القليلة التي سبقتها وكانت شرارة لها ومن أكثر من استفاد منها ؟ إنا إذا نظرنا إلى أحداث الثورة نجد لها رؤوساً ثلاثة الأول نيد ستارك لورد الشمال والثاني روبرت براثيون لورد أراضي العاصفة والثالث جون آرن لورد الوادي،أما الأول فقد فقدَ قبل الثورة أخوه وأبوه كما أسلفنا وماتت أخته ليانا كذلك خلال أحداثها،وبعد الثورة ماذا نال نيد ؟ غير شئٍ من لذة الإنتقام؟ نال قطع رأسه من الملك الصبي جوفري براثيون بعد أن كشف نيد حقيقة نسبه وكونه مجرد نغل لا أحقيةً لهُ بالعرش وِلِدا عن طريق سفاح القربى وجون آرن كذلك لم يجد بُداً عن الثورة بعد مطالبة الملك المجنون له بتسليمه روبرت ونيد اللذان كانا ربيبان عنده وكان يعدهم كأبناءه ولم يكن له حينها أولاد من صلبه وقد خسر في أثناء هذا التمرد وريث العش دينيس آرن ولم ينل بعد الثورة إلا عديد من السنوات التي قضاها بتحمل أعباء الحكم كيد للملك روبرت براثيون ليقتل بعدها عن طريق سيرسي لانستر بالسم لإكتشافه حقيقة نسب أبناءها . والرأس الثالث روبرت براثيون صحيح أنهُ أقل الثلاثة خسائر وأكثرهم مكاسب فجل ماخسره هو زواجه من ليانا ستارك حب حياته إلا أنهُ نال سنين طويلة من الشرب واللهو والتقلب بالملذات لينتهي به الحال بعدها مغتالاً (بطريقة غير مباشرة) من قبل مرافقه لانسل لانستر بأمر من سيرسي فمن المستفيد إذن من التمرد ؟ إنه برأيي اللورد تايون فلم يُهلك جيوشه وأمواله بالحرب بل ظل الأسد منتظراً في عرينه حتى علم بإنتصار روبرت وقتله لريجار تارجيريان بمعركة الثالوث لينطلق بعدها إلى العاصمة مدعياً الدفاع عنها ضد الغاصب وجيشه وبدلاً من ذلك نهب المدينة وفتك بالمتبقين من أسرة التارجيريان الطفلين أبناء ريجار وأمهم الدورنية ليقدمهم كهدية لروبرت،كباقةٍ وردٍ إعتذاريةٍ على تأخرهِ بالانظمام له بثورته فلطالما كان اللورد تايون بقمة اللباقة،وبعد أن تم تتويج روبرت ملكاً للعرش الحديدي وسيداً للمالك السبع وزواجه من سيرسي ابنة تايون حرص تايون على توطيد قدم اللانستر بالبلاط الملكي ليملأ العاصمة برجاله ونشاهده يتحول أثناء حكم روبرت من لورد تأخر بالانظمام للثورة إلى أقوى الرجال وأكثرهم نفوذاً بالممالك السبع . وأما الأشد بؤساً من هذا هو أن السلطة الحاكمة على العرش الحديدي لم تستغرق من الزمن طويلاً لكي تتحول إلى سلطة ظالمة غاشمة كالتي سبقتها قبل الثورة بل لعلها لم تستغرق وقتاً أصلاً وذلك بقتل تايون للأطفال الباقين من سلالة التارجيريان بكل عنف و وحشية وسكوت ورضى روبرت براثيون على هذا الأمر وكذلك ما الفرق بين تصرف الملك المجنون عندما أحرق لورد الشمال و وريثه وبين إعدام لورد الشمال إدارد ستارك بأمر النغل جوفري؟ فكلا الملكين أساءَ التصرف ولم يحتوي الموقف ويهدي النفوس،والقارئ للكتاب الرابع وليمة للغربان يرا أن حكم سيرسي يسري إلى الجنون بطريقة متزنة ويبدو أننا امام إيريس جديد،فماذا غيرت الثورة إذن ؟ أظنها لم تغير شئ غير شعار الطغيان والظلم فبدلت التنين بالأسد وإن كان الأول يحرق أعداءه حتى يذيب اللحم ويحول العظم إلى رماد فالثاني ينتزغ بمخالبه القلوب من بين الضلوع ولعمري كلا الطريقتين مميتتين بالقدر نفسه وأما الوعل،والصقر،والذئب فلا أعلم ماذا كانوا بعد ثورتهم ؟؟ أظنهم كانوا أحجارًا على رقعة الشطرنج ودُماً خشبية تحركها الخيوط في لعبة العروش. مقال - صالح الحربي


أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page